في الوقت الذي بلغت فيه عدد مشاريع استزراع الأسماك في المملكة أكثر من 68 مزرعة مجهزة بحوالي 6.383 بركة للاستزراع السمكي أكد عدد من المستثمرين والمختصين في المجال لـ«الوطن» أن مشاريع الاستزراع السمكي من المشاريع الحديثة التي لها مستقبل كبير وتنمو بشكل سريع يصل الى 6% سنويًا وتزيد من صادرات المملكة من الأسماك.

الأقفاص العائمة

ويعرف المستثمر في الاستزراع السمكي يوسف منيع الاستزراع السمكي بأنه استزراع وتربية أنواع من الأسماك والروبيان، وكائنات مائية أخرى، وإخضاعها للتكاثر والتسمين بكثافات تجارية معينة في أنظمة متعددة، وأبرز هذه الأنظمة: (الأنظمة الداخلية والساحلية المغلقة والمفتوحة، ونظام الأقفاص العائمة)، وهذه الأنظمة يتطلب تشغيلها فريق فني متخصص حسب كل نظام، ويعمل في تكييف الكائن المستهدف إنتاجه في هذه الأوساط البيئية باستخدام تقنيات متعددة تساعد في تحقيق وتطبيق أعلى المعايير في الممارسات الزراعية وفق أنظمة وبروتوكولات تشرف عليها وزارة البيئة والمياه والزراعة.

6 % نمو سنويًا

أبان منيع، اليوم أصبحت العديد من الشركات السعودية، تعمل على تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية، وتستقطب أفضل الخبراء من أنحاء العالم في مختلف تخصصات الاستزراع والتخصصات الفنية الأخرى المساندة في نقل المعرفة الوظيفية، كما جلبت أحدث التكنولوجيا في الاستزراع المائي مما جعل الشركات العاملة في قطاع الاستزراع، تنفذ مشاريع ضخمة، وتحقق وتحرز تقدمًا ونجاحات كبيرة بالحصول على العديد من الشهادات العالمية في أفضل ممارسات الاستزراع المائي، حتى أصبحت السعودية، تنافس وتحرز، تقدم ملحوظًا عالميًا في معدل النمو، إذ يعد ضمن القطاعات الغذائية الأسرع نموًا بمعدل 6% سنويًا، وبحسب الأرقام الاخيرة لصادراتنا من المنتجات السمكية، وصلنا إلى 80 ألف طن سنويًا تصل إلى العديد من بلدان العالم مع تغطية الاحتياج المحلي من هذه المنتجات، واليوم ننتج في المملكة أكثر من 120 ألف طن سنويًا ذاهبون إلى المستهدف الوطني 530 ألف طن سنوي وفق رؤية المملكة 2030.

2600 كيلومتر

قال منيع: طبيعة المملكة واختلاف مناخها وتوفر المقومات الطبيعية والمساحات الممتدة على الشريط الساحلي بأكثر من 2600 كيلو متر، تشكل بيئة مناسبة، ويخلق فرص للراغبين في الاستثمار في صناعة الاستزراع المائي بقطاعاته المتعددة ومنها: (برامج الأبحاث والتطوير والتدريب، والدعم اللوجستي وسلاسل الإمداد، ومكاتب الدراسات الفنية، وتوفير مصادر المواد الأساسية لتصنيع الأعلاف والصناعات المرتبطة بها، وإنشاء المفارخ لتوفير اليرقات وإنشاء المزارع بمختلف الأحجام والأنظمة، ومعامل التجهيز والفرز والقيمة المضافة، ومستودعات الحفظ والتجميد)، وحول المتطلبات الأساسية لدخول المجال والاستثمار فيه، من الضروري الإلمام بالصناعة، وذلك أخذ لمحة والتعرف على هذه المشاريع والبرامج التابعة لها، والاطلاع على ضوابط تراخيص مشاريع الاستزراع المائي، والتواصل مع الجهات المتخصصة في تطوير هذا القطاع والممثلة بوزارة البيئة والمياه والزراعة، إدارة الاستزراع المائي، ومراكز الأبحاث والجمعيات الزراعية التعاونية المتخصصة مثل الجمعية السعودية للاستزراع المائي، وغيرها من المكاتب الاستشارية أو المستشارين ذو الخبرة في المجال، كما أن ملائمة الموقع، يشكل دورًا كبيرًا في تحديد نوع المشروع والأنواع المناسبة في استزراعها بالاعتماد على الدراسات والاختبارات الفنية لكل عناصر الموقع بالاعتماد على مستشار أو خبير من مكاتب استشارية متخصصة، ومعتمدة والحرص على تحديد نوع وخبرة المستشار في المسار المستهدف إنتاجه، كم يجب توفر الملاءة المالية ومصادر السيولة، للبدء في مثل هذه المشاريع، ومن أبرز مصادر التمويل الصندوق الزراعي الذي يهتم ويدعم جميع المشاريع بعد استيفاء الشروط وتوفر التراخيص والتصاريح اللازمة.

10 % هدر المياه

أفاد رئيس مجلس إدارة جمعية وطني للاستزراع المائي وليد العفالق، أن الطلب على مبيعات مشاريع الاستزراع داخل المملكة، كبير جدًا، لاعتبارات عديدة، من بينها: استيراد المملكة كميات كبيرة من الأسماك من الخارج، علاوة على أن الصيد اليدوي للأسماك فيه استنزاف للجهد في أوساط البحار، وأن التجهيز لمشاريع الاستزراع بـ«النظام المغلق»، للحصول على الدعم الوزاري والتراخيص، مع التأكيد على تدوير المياه في المشاريع «الحد الأعلى لهدر المياه 10%»، وينفذ المشروع داخل مبنى «حديدي» لمنع البخر والتلوث، مع إمكانية أن تكون المياه مالحة «بسيطة»، وهناك تنسيق وتوقيع اتفاقية مع جامعة الملك فيصل في الأحساء لتخريج طلاب متخصصين لتشغيل هذه المشاريع، وهناك طلب عالي لشغل هذه الوظائف، وتوطينها، والعمل على تدريبيها.

الصين روسيا

أكد المدير التنفيذي لجمعية وطني للاستزراع المائي عبدالله المطيري، أن مبيعات الأسماك المنتجة من مشاريع الاستزراع المائي، تباع محليًا وهناك بعض الإنتاج يتم تصديره لأكثر من 35 دولة حول العالم من بينها: الصين وروسيا وسنغافورة واليابان، وتحتاج مشاريع الاستزراع المائي لتجهيزات وتصاميم خاصة تختلف عن غيرها من المشاريع الزراعية سواء كان المشروع في مياه داخلية أو مياه بحرية، وبخصوص التكلفة تعتمد على عدة عوامل منها: بيئية المشروع، والنوع المستزرع، والطاقة الإنتاجية المستهدفة، وعادة ما يتم قبل تنفيذ المشروع اللجوء إلى إعداد دراسة جدوى فنية واقتصادية للمشروع ومن خلالها تتضح التكاليف النهائية للمشروع والجدوى الاقتصادية، وهناك نوعين من الاستزراع المائي بالمملكة، مشاريع الاستزراع المائي البحرية ويمكن إقامتها في المناطق الساحلية في أحواض مثل مشاريع الروبيان أو داخل البحر بنظام الأقفاص البحرية لبعض الأنواع من الأسماك ذات الجدوى الاقتصادية، ومشاريع الاستزراع المائي في المياه الداخلية ويمكن إقامة مثل هذه المشاريع في المناطق الزراعية في أي منطقة من مناطق المملكة، وتحظى المملكة بوجود كوادر وطنية متخصصة في الاستزراع المائي أثبتوا نجاحهم في إدارة مشاريع الاستزراع المائي، وأيضًا يوجد المختصين من جميع الجنسيات الأجنبية بالمملكة، تعمل في قطاع الاستزراع المائي.

الآبار الجوفية

بدوره، أوضح عميد كلية العلوم الزراعية والأغذية في جامعة الملك فيصل بالأحساء الدكتور أحمد السقوفي «المتخصص في الثروة السمكية»، أنه في أوروبا لتشجيع الناس على تربية الأسماك بالمنزل، ينشر بالمجلات والصحف إعلان «كل ما عليك فعله هو عمل حفرة بحديقة المنزل وملئها بالماء إضافة زريعة الأسماك ثم انتظر لجني الأسماك الطازجة والأرباح»، أن مفهوم الاستزراع السمكي هو تربية الأسماك بالمياه المالحة أو العذبة مع توفير الظروف المثالية لنموها لإعطاء أعلى إنتاج بأقل تكاليف لزيادة الأرباح، باختصار الاستزراع السمكي هو الزراعة تحت الماء، ويمكن تقسيم الاستزراع السمكي على حسب المياه إلى استزراع بحري بالبحر الأحمر (مثل استزراع أسماك الدنيس بشركة أسماك تبوك بطاقة 3000 طن سنويًا وبنظام الأقفاص العائمة)، والخليج العربي واستزراع أسماك عذبة بالمياه الداخلية بالمناطق الصحراوية وهي عبارة عن مياه الآبار الجوفية (مثل استزراع البلطي النيلى بالقصيم وحائل والخرج والشرقية بنظام إعادة تدوير المياه وذلك للاستفادة القصوى من المياه العذبة (نظام مغلق) أما بالزراعة التكاملية (الأكوابونيك) بين الأسماك والخضروات أو عدم تغير المياه (نظام البيوفلوك).

3 سنوات

شدد السقوفي، أن عملية اختيار نظام الاستزراع ونوع الأسماك المربي ونظام المزرعة السمكية، يعتمد على موقع المزرعة بأي المناطق بالمملكة، يمكن إنشاء مشروعات الاستزراع السمكي بأى منطقة بالمملكة، ولكل منطقة نظام استزراع واشتراطات وتجهيزات مختلفة، تصل أرباح مشروعات الاستزراع السمكي إلى 34% سنويًا، ويستطيع المشروع أن يغطي التكاليف الثابتة خلال 3 سنوات، والعائد يعتبر أعلى عائد مقارنة بالمشروعات الزراعية الأخرى، والمملكة، لديها مقومات الاستزراع السمكي، بشكل مذهل بحكم موقعها الجغرافي حيث يحدها غربًا البحر الأحمر بساحل يزيد طوله عن 2060كم، وشرقًا الخليج العربي بساحل طوله 580 كم تقريبًا، وهي أكبر دولة مطلة على البحر الأحمر والخليج العربي مقارنة بالدول الأخرى المطلة عليهما، علاوة على الموقع الاستراتيجي تمتاز المملكة بالأسواق الرائجة ونظام اقتصادي حر وعدم وجود ضرائب على الإنتاج، إضافة إلى دعم الدولة المباشر، ومن هنا كانت رؤية المملكة 2030 إلى الوصول بالاستزراع السمكي إلى 600 ألف طن والاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض، ومن أجل ذلك سعت حكومة المملكة جاهدة لوضع السياسات والمبادرات وتوجيه خطط الاستثمار والتطوير لمشروعات الاستزراع السمكي في حدود المتاح من الموارد الزراعية، وبما يحقق الاستغلال الأمثل والمستدام لها، وأطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة 5 مبادرات رائدة متعلقة بقطاع الاستزراع السمكي، ستسهم في زيادة الناتج الوطني ودعم الاقتصاد المحلي وتحقيق الأمن الغذائي وهي:

• مبادرة «الحملات التسويقية»: التي تهدف إلى التعريف بالفوائد الصحية والقيمة الغذائية للمأكولات البحرية، والحث على تناولها وزيادة استهلاك الفرد منها؛ من 9 كغم إلى 13 كغم، كما تهدف إلى زيادة الوعي العام بأنواع الأسماك المنتجة محليًا، وإبراز جودتها مقارنة بالأسماك المستوردة.

• مبادرة «حملات جذب المستثمرين»: وتهدف إلى زيادة الاستثمار في قطاع الاستزراع المائي، من خلال جذب شركات استثمارية محلية وعالمية جديدة في السوق، وهو ما يساعد على تحسين الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات وتخفيض نسبة الاستيراد، وكذلك تحقيق المنافسة الشاملة التي ستؤدي إلى خفض تكلفة إنتاج الأسماك وزيادته.

• مبادرة «تطوير البنية التحتية لدعم التجمعات البحرية»: والتي تهدف إلى إيجاد بيئة استثمارية جاذبة، وتوفير خدمات لوجستية متكاملة، إضافة إلى تطوير مرافئ الصيد والأرصفة العائمة ومصانع الثلج ومحطات الوقود والورش الخاصة بصيانة القوارب وغير ذلك، وجعلها مواقع تحتوي على الخدمات الأساسية التي تخدم المستفيدين المباشرين، علاوة عن خلق بيئة جاذبة للسياحة.

• مبادرة «تطوير البنية التحتية لدعم الاستزراع المائي»: والتي تهدف إلى تهيئة البنية التحتية (المفارخ، ومصانع الأعلاف، ومصانع التجهيز) للوصول إلى إنتاج 600 ألف طن من الأسماك بحلول العام 2030، كما تهدف إلى استدامة صناعة الاستزراع المائي، وتوفير فرص العمل للجنسين، إضافة إلى التشجيع على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، والتقليل من واردات مدخلات صناعة الاستزراع المائي.

• مبادرة «دعم البحث والتطوير لتحسين إنتاجية مصائد الأسماك»: وذلك بالتعاون مع المؤسسات البحثية الشهيرة محليًا ودوليًا، بهدف إدخال أنواع جديدة من الأسماك ذات جدوى اقتصادية، وتطوير أنظمة الأعلاف وضمان جودتها، إضافة إلى الحد من نفوق الأسماك وتحسين صحتها، وإنشاء مراكز الأبحاث وتطويرها لتصبح مراكز عالية الكفاءة وقادرة على توفير الخبرة والمشورة والمساهمة في تقديم التقنيات الحديثة في عمليات الاستزراع المائي.

عجز في الكوادر

ذكر السقوفي، أنه ما زال هناك عجز في الكوادر السعودية المتخصصة، والمؤهلة لإدارة مشاريع الاستزراع السمكي الكبيرة والإشراف عليها، إذ أن معدل نمو مشروعات الاستزراع حوالى 6% سنويًا، لذلك تقوم الوزارة بعقد دورات وورش عمل تدريبية في كل ما يخص الاستزراع السمكي من خلال التعاون والشراكة مع الجامعات المحلية والمراكز البحثية ذات الصلة.

الروبيان السعودي السحري

استعرض السقوفي، حجم الإنفاق الحكومي المباشر في قطاع الثروة السمكية في السعودية نحو مليار ريال، في البنى التحتية والأبحاث والتوطين، وشهد عام 2022 إنتاج أكثر من 188 ألف طن من الأسماك بقيمة تُقدَّر بـ5.6 مليارات ريال، وجرى تصدير نحو 59.844 طن منها، بقيمة تُقدَّر بـ1.1 مليار ريال، معظمه روبيان إلى 35 دولة، وحقَّق نسبة اكتفاء ذاتي بلغت 58%، وبلغ الإنتاج من الاستزراع السمكي فقط 120 ألف طن، ويقدر عدد مشروعات الاستزراع بالمملكة المرخصة 300 مشروع بعضها بدء بالإنتاج، ومن أكبر مشاريع الاستزراع بالمملكة شركة نقوا في محافظة الليث لإنتاج الروبيان، المصنع من أكبر مصانع تجميد لهذا النوع من الأسماك على مستوى العالم، وينتج 800 طن يوميًا، ويصل الإنتاج من المصنع إلى الأسواق الدولية خاصة اليابان التي تغرم بهذا النوع من ويطلقون عليه «الروبيان السعودي السحري»، كما يصل الإنتاج إلى الأسواق والمتاجر داخل المملكة، وفي خط مصنع الأسماك التابع للشركة الوطنية للاستزراع السمكي يجري إنتاج 30 طنًا يوميًا من الأسماك الطازجة؛ فيما يستخدم الإنتاج كذلك في الاستهلاك المحلي وبعضه يصدر للعالم.