يميل الى الانطواء والوحدة، تجده دائم الشرود والتفكير، يهرب من الواقع الذي يعيشه، يحملق بعينيه الى البعيد، وكأنه ينتظر شئيا ما. معالمه الخارجية توحي لك بطيبة واصالةهذا الانسان. هذا الانسان المغمور في عالم اللانسان، تفكيره العميق والمتواصل دائما يعطيك اكبر دليل على أن هناك سبب جعل هذا الانسان يغرق في بحور الافكار والهواجس. حياته تخلو من السعادة، من المتعة، وعندما يحاول أحد أن يقترب منه ليسأله عن واقعه، لايستطيع، لأنه يهرب من الناس. يريد أن يعيش وحيدا صامتا هكذا. آظنه يريد لنفسه عالما خاصا به، لايريد أحدا يشاركه حياته التي يعيشها. يتعكر مزاجه، تثور اعصابه، يختل توازنه وتفكيره إن حاول أحد ما أن يحادثه، أو يقترب منه. تتلعثم الكلمات في فمه، وترتعش يداه عندما يريد أن يتكلم، مع أنه نادرا ما يتكلم أو يقول شئيا، كل ما يستطيع فعله هو مشاهدة ما يدور حوله. لايستخدم من حواسه الخمس سوى حاسة البصر، اكتفى بالنظر إلى ما يدور حوله، وكأنه يرى أن الكلام لايفيد في عالم كهذا. ربما يكون تفكيره هذا الغريب في وضعه، كونه لازال يعيش ولديه القدرة على احتمال المزيد، فمعظم اوقاته السعيدة يقضيها مع الأطفال، تجده سعيدا وتعلوا ثغره الابتسامة وهو يلاعب الاطفال ويسامرهم في سهراتهم، وكأنه وجد عالمه، كأنه اصبح يرى في الاطفال الصداقة والبراءةوالحب والسعادة التي اختفت من حياته. انسجام غريب هذا الذي يعيشه مع هؤلاء الاطفال، لذلك تجده يتعامل معهم وكأنهم رجال وليسوا اطفالا في عمر الزهور. تمنيت أن اعرف سر هذا الرجل، سر غموضه، سر حياته، ولكن كيف لي أن اعرف وهو لايكلم احدا، ولايريد احدا أن يقترب منه! لذلك ارتسمت في مخيلتي علامات استفهام وتساؤلات عديدة، وجدت من بينها أن هذا الانسان قد يكون مظلوما وتعرض لصدمة نفسية قاسية، جعلته يكره الوجود ويلجأ للانطواء والعزلة. وقد يكون ضحية من ضحايا التغيرات التي اوجدها الزمن في محيط تعاملنا ومحيط علاقاتنا ،وربما يكون هذا الانسان محروما من كل شئ، لذلك لجأ إلى هذه الحياة القاسية المؤلمة. قد يكون يعاني من جروح ادمت قلبه وزادت من احزانه التي لم يجد لها يدا حانية تمسح برقتها كل المآسي والمتاعب التي لحقت به ،لذلك وجد نفسه هكذا. افتراضات عديدة يمكن أن نتوقعها، ولكن قد يكون ما اصاب هذا الانسان اقسى واعمق مما نتصور، ولكن يظل هذ الانسان ويظل وضعه الذي يعيشه علامة بارزة تعطينا الدلالة الصادقة على أن الانسان قد تهزمه الظروف، قد تحطمه الايام لتجعل منه صورة مهزوزة في نظر الجميع.
وقد تجعله الايام اضحوكة في افواه الناس. ولكن مهما يكن يجب أن نعلم أن داخل هذا الانسان قلب ملئ بالمشاعر والاحاسيس التي تنتظر من يستطيع التعامل معها بصدق وبحب، حتى نستطيع أن ننتشله من البؤس وعالم الانطواء الذي يتخبط فيه، إلى عالم ينعم بالحب وبالسعاده التي اعتقد أنه يبحث عنها ولكن حتى اشعار آخر.