أسهمت زيادة نسبة الهطولات المطرية على قرى وأرياف محافظتي العيص وأملج في إقبال أهالي المحافظتين على الزراعة البعلية التي لا تحتاج إلى سقاية.

وشهدت المحافظتان إقبالًا على زراعة القمح، حيث استعان عدد من المزارعين وملاك الأراضي بالجرافات ومعدات الحراثة، مما أسهم في رواج سوق المحال الزراعية وارتفاع الطلب على الجرافات التي زادت أجرة الواحدة منها في الساعة الواحدة عن 300 ريال، حيث يستخدمها المزارعون في استصلاح أراضيهم، والاستفادة من نتاجها الزراعي وقت الحصاد.

رحلة عبر التاريخ

عرفت المحافظتان زراعة القمح منذ القدم، حيث كان الأهالي يحرثون أراضيهم يدويًا أو باستخدام الإبل، قبل أن تحل محلها الآلات الحديثة.

وكان أهالي المحافظتين يسكنون قريبًا من تلك المزارع، حتى يتولون العناية بزرعهم ومتابعته من الحرث مرورًا بنثر البذور وصولًا إلى الحصاد في دورة إنتاج تستمر قرابة الـ5 شهور. وكان الأهالي وأصحاب المزارع يجهزون التربة وينظفون الأرض، ثم ينثرون الحبوب الحبوب على كامل الأرض، ثم نحرثها بواسطة الحراثة، فتخلط الحبوب داخل مكونات التربة، ولم تكن زراعتهم تختلط بأي مواد كيماوية مثل الأسمدة المبيدات أو غيرها.

وفي موسم الحصاد وما بعده، كان كثير من الأهالي يحرصون على توزيع القمح على الأهل والأصدقاء ممن لا يمتلكون مزارع خاصة بهم، فيما يعمد آخرون وبعد عملية الحصاد إلى تعبئة القمح في أكياس صالحة للحفظ، وينقلونها إلى المحلات حيث تعرض للبيع دون طحن، فيما يذهب بعضها إلى المطاحن ليباع كدقيق.

رياض القمح

يشير المرشد السياحي في محافظة العيص مسلم عواد العنيني إلى اشتهار المحافظة بزراعة النخيل، وكذلك زراعة القمح عند هطول الأمطار، حيث يعمد المزارعون إلى بذر القمح في الحقول فيما يسمى رياض القمح، وذلك بعد حرثها، وبات المزارعون يستخدمون اليوم الآلات الحديثة في عمليات الحرث بعدما كانوا يستخدمون فيها الإبل.

وأضاف «عندما ينبت الزرع يقوم المزارع بتشبيكه وحراسته وتطييبه وشذب الحشائش الضارة ليكون نبته في أفضل حالاته، وتستمر هذه الدورة الزراعية من 4 إلى 6 أشهر حسب هطول الأمطار».

مرحلة الحصاد

يواصل العنيني «عقب ذلك تأتي مرحلة الحصاد، أو ما يعرف لدى الأهالي بـ(الصرام) أي جمع المحصول الزراعي ويتم ذلك بطريقة بدائية، حيث يجمع محصول القمح على شكل حزم».

وتابع «تأتي في المرحلة الثالثة عملية فصل الحبوب عن التبن، وتسمى بـ(الدِراسة) وتستخدم فيها آلة حديثة تلقى في داخلها كميات الزرع على دفعات، وتتولى إخراج الحبوب من مخرج والتبن من مخرج آخر».

وعن تخزين المحصول، قال «كانت الحبوب تخزّن قديمًا في حفرة تسمى «القصر»، وغالبا ما تكون قريبة من الجبل، وتتم تغطيتها بإحكام، أما الطريقة الحالية والمعتادة فتتم عبر تعبئة المحصول في أكياس الخيش العادي ثم يخزّن في القصور داخل التبن حتى لا تصل إليه الحشرات أو الأمطار، وبما يضمن بقاءه عدة سنوات».

أنواع القمح

يفصّل العنيني نوعي القمح المزروع أما ما يسمى «قمح الزرعية» ويقول «قمح الزرعية نوعان، الأول الزرعية الحمراء ذات الفوائد الصحية، خاصة عند تناولها قبل العمل الشاق والبرودة القارسة، وكان كبار السن قديمًا يطبخونها على شكل قرصان وفطير، نظرًا لكثرة تنقلهم المستمر بحثًا عن مواقع هطول الأمطار، وأماكن تواجد الأعشاب والكلأ لمواشيهم.

أما النوع الآخر فيعرف بالبيضاء، ويتميز بفوائد صحية قيمة، ويكون خفيفا على المعدة، ويمكن إضافة السمن والعسل إليه بكميات قليلة».

تشجيع حكومي

يبين العنيني أن القيادة السعودية بدأت ومنذ سنوات مبكرة من تأسيس المملكة بالاهتمام بالزراعة، ويقول «بدأ الاهتمام الرسمي للقيادة الرشيدة بالزراعة ​​في عام 1346 للهجرة، حيث كانت الزراعة مصدرًا مهمًا للحياة والثروة والاقتصاد، وتم ذلك بمصادقة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله على قرار مجلس الشورى بإعفاء جميع المعدات الزراعية من الرسوم الجمركية، إضافة إلى دعم وتنمية الحركة الزراعية في البلاد باستيراد بعض الآلات والمعدات الزراعية في عام 1351 للهجرة لتوزيعها على المزارعين بأسعار مخفضة وميسرة الدفع».

متابعة النجوم

يشير محمد الجهني، أحد كبار السن، إلى أن زراعة القمح في محافظتي العيص وأملج اعتمدت دائمًا على مياه الأمطار، حيث يعد جريان الأودية والشعاب عنصرًا أساسيًا في زراعة القمح لأنه يضمن نمو المحاصيل وزيادة الإنتاج.

وأوضح «يمتلك مزارعو المحافظتين خبرة كافية في متابعة النجوم، ومن بينها طلوع نجم سهيل، أو نجم السبع في السماء، وهما مؤشران يعرف بهما قرب هطول الأمطار الموسمية سنويًا».

وأشار إلى اختلاف طريقة الزراعة حاليا عنها قديماً سواء في الحرث أو الحصاد أو حتى التخزين، وأوضح «في السابق، ونظرًا لقلة الإمكانيات وعدم وجود الآلات الحديثة كانت الزراعة تقوم على الإبل من حيث حرث الأرض».

وأضاف «عند قرب الحصاد يذهب الجميع سيرًا على الأقدام أو على ظهور الجمال، ويبقون بالقرب من مزارعهم عدة أسابيع حيث يحصدون قمحهم بأيديهم أو بوسائل بدائية جدًا، وبعد الحصاد يقومون بتوزيع الحصاد بالتساوي بينهم، أما اليوم فاختلفت الأمور، وصار الاعتماد أكثر على الآلات الحديثة التي وفرت الوقت والجهد».