أثارت الكلمة التي ألقاها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا السيد غير بيدرسون في جلسة مجلس الأمن في شهر فبراير 2024 العديد من الشكوك والتساؤلات حول مستقبل اللجنة الدستورية السورية، حيث أشار مبعوث الأمم المتحدة السيد بيدرسون في كلمته إلى أن عدم انعقاد الجولة التاسعة للجنة الدستورية في مدينة جنيف السويسرية هو بسبب أن روسيا لم تعد تعتبر سويسرا مكانًا محايدًا لعقد تلك الاجتماعات، وأضاف بيدرسون أن الحكومة السورية أيضًا لم تعد تقبل عقد جولة المفاوضات بين الأطراف السورية في جنيف. وقد يكون ما ورد على لسان بيدرسون في مجلس الأمن هو إعلان نهاية استضافة جنيف لتلك المحادثات السورية والدور السويسري السياسي في هذا الملف، وهو بذلك فتح الطريق أمام الدول الأخرى لاستضافة محادثات اللجنة الدستورية السورية.

ولا يوجد أفضل وأنسب من العاصمة الرياض لعقد هذه المحادثات حيث يشكل مقترح عقد الجولة التاسعة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية في العاصمة الرياض أهمية كبرى كون الرياض تمثل عمق العالم العربي، وتعزز استضافة الرياض لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية من قدرة دول المنطقة على لعب دور محوري في إدارة الأزمات والنزاعات الإقليمية، وهي فرصة لإحراز تقدم يمهد الطريق أمام حل سوري - سوري للأزمة داخل أراضي عربية بعيدًا عن التدخلات الخارجية وتحديدًا من قبل الدول الأوروبية وغيرها.

تسهم استضافة الرياض للأطراف السورية في تحسين العلاقات السعودية - السورية في ملفات أمنية وسياسية مختلفة وهي تشكل فرصة لنقل العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستويات متقدمة، كما تعزز استضافة دولة عربية للأطراف السورية من مخرجات القمة العربية التي شهدت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والتي استضافتها المملكة في مايو 2023م، وما صدر عنها في البيان الختامي «إعلان جدة» بشأن الأزمة السورية، حيث شدد «إعلان جدة» على أهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا لتجاوز أزمتها.

بلا شك، أي دور سعودي يهدف أو يسهم في حل الأزمة السورية سيحظى بترحيب واسع من مختلف دول المنطقة والعالم، خاصة من روسيا التي بدورها كانت أول من اعترض على عقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، وبذلك استضافة الرياض لهذه المحادثات سيكون له أثر إيجابي على مستقبل العلاقات بين السعودية وروسيا لما تحظى به سوريا من أهمية استراتيجية لدى الجانب الروسي ونظرًا للمصالح الروسية في هذه الأزمة، وسيخلق هذا الدور السعودية فرصة للتنسيق والتعاون السياسي السعودي - الروسي في الأزمة السورية، مما قد ينعكس بشكل إيجابي على العلاقات بينهما في أزمات أخرى مثل الأزمة الأوكرانية - الروسية التي تلعب فيه السعودية أيضًا دورًا مهمًا شهد استضافتها في أغسطس 2023 اجتماع مستشاري الأمن الوطني وممثلين لأكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية بما في ذلك الأمم المتحدة، كما أن الدور السعودي في الملف السوري سيعمق من التنسيق الثنائي المستمر بين البلدين ضمن إطار «أوبك بلس» وفي غيرها من الملفات التي يوجد بها مصالح مشتركة بين الرياض وموسكو.