بعيدًا عن فكرة تخلص الدراما التاريخية المصرية من (عقدة الفصحى المقعرة)، وتعاملها - بحسب الكاتبة التونسية أمينة بوكادري- مع الحقيقة التاريخية التي يرفض الجميع تصديقها، وهي أن ( الأمصار والثغور الإسلامية كانت تتكلم عربية منقوصة مختلطة باللهجات المحلية، فالفرس كانت لغتهم في أزهى أزمان الخلافة هي الفارسية المخلوطة بالعربية، وشمال أفريقيا بقي محافظًا على أمازيغيته لثمانية قرون بعد الوجود العربي، وتحدث أهله بلغة خليط، كما ذكر ذلك ابن خلدون). وفي مصر ظل المصريون يتحدثون اللغة القبطية (المصرية) حتى مشارف العهد الفاطمي. وبغض الطرف عن الإشكال النحوي في إعراب (حشاشين) التي جاءت منصوبة، والتي يمكن تمريرها باعتبارها مضافًا لـ (مسلسل)، يستدعي المسلسل الرمضاني (الحشاشين) المتخلى عن الفصحى، بطولة عدد من نجوم الدراما المصرية في العقد الأخير، إعادة مراجعة كتاب (الحشاشون) للباحث البريطاني/ الأمريكي الشهير (برنارد لويس)، الذي ظهر عام 1967 وقت أن اتجهت أنظار العالم بشدة إلى الشرق الأوسط نتيجة لتفجر الصراع العربي الإسرائيلي ونشوء ما عرف بأزمة الشرق الأوسط حينها.

تطور فرقة الحشاشين

يفتح المؤلف صفحة مهمة غامضة في تاريخ المنطقة ويجلوها جلاء بينًا حتى ليخيل للقارئ كأن الأحداث والشخصيات تقفز مجسمة من بين سطور الكتاب، إذ تتبع المؤلف تاريخ ( فرقة الحشاشين) الإسماعيلية منذ بداياتها الأولى إلى نهايتها، وهي فرقة لعبت دورًا غريبًا ليس بالقصير في تاريخ المنطقة ونسجت حولها الخرافات والروايات والأساطير، وأعطت اسمها Assassin، «لفن القتل» و«الاغتيال السياسي»، في اللغات الأوربية الحديثة. ويستعرض المؤلف في بحثه تطور فرقة الحشاشين في التاريخ ، والأساطير حولها ومعتقداتها، ووسائلها في الانتقام من خصومها وأهدافها الدينية والسياسية، كما يبحث مغزاها في تاريخ الإسلام وتاريخ الحركات الثورية والإرهابية. وهي التي يراها بعض المثقفين العرب أطروحة تشويه للحضارة الإسلامية باستغلال دموية الحشاشين!

فالحشاشون كما يراهم بروكاردوس كانوا قتلة مأجورين سريين من نوع خطر وذوي مهارة خاصة. وبالرغم من أنه عدهم من بين مخاطر الشرق، فإنه لم يربط بينهم وبين أي مكان معين أو فرقة أو دولة، ولم يعز اليهم أية معتقدات دينية أو أغراض سياسية، فهم ببساطة قتلة قساة أكفاء وينبغي أخذ الحيطة منهم باعتبارهم كذلك، وفي الواقع لم يحل القرن الثالث عشر حتى كانت كلمة (حشاش) Assassin قد دخلت بأشكال مختلفة في الاستخدام الأوروبي بهذا المعنى العام، أي معنى القاتل المحترف المأجور.

الكلمة كما ظهرت لأول مرة في سجلات الصليبيين كانت تعني فرقة إسلامية في الشرق تتزعمها شخصية غامضة تعرف بـ( شيخ الجبل)، وهذه الفرقة مكروهة بسبب عقائدها وأفعالها من جانب المسيحيين والمسلمين الطيبين على السواء.

نشأة الصباح

يذكر الكتاب أن مؤسس فرقة (الحشاشين) حسن الصباح ولد في مدينة (قم) وهي إحدى المراكز الأولى التي استوطنها العرب في فارس وكانت معقلًا قويًا للشيعة الاثني عشرية، وكان أبوه ينتمي إليها، وقد جاء من الكوفة بالعراق، ويقال إنه من أصل يمني بل ويتخيل البعض أنه ينحدر من ملوك حمير القدامى في جنوب شبه الجزيرة العربية، ولا نعرف بالتحديد التاريخ الذي ولد فيه حسن ولكن من المحتمل أن يكون في أواسط القرن الحادي عشر. وعندما كان طفلًا انتقل الأب بأسرته إلى مدينة الري - بالقرب من مدينة طهران الحديثة - وهناك تلقى حسن تعليمه الديني، وكانت الري مركزًا النشاط الدعاة الإسماعيليين منذ القرن التاسع، ولم يمض وقت طويل حتى بدأ حسن يشعر بتأثيرهم، وظل يتنقل في معظم أنحاء الشرق الأوسط.

ومكث في مصر حوالي ثلاث سنوات قضى الشطر الأول منها في القاهرة ثم في الإسكندرية وتقول بعض الأخبار إنه اختلف مع أمير الجيوش بدر الجمالي بسبب تأييده - أي حسن - لنزار، فأدخل السجن ثم طرد من البلاد، وأبعد من مصر إلى شمال أفريقيا ولكن السفينة الافرنجية التي كان مسافرًا بها تحطمت، وأنقذ، وحمل إلى سوريا، وهناك سافر إلى حلب وبغداد ووصل إلى أصفهان في 10 يونيو 1081 وراح خلال السنوات التسع التالية يسافر على اتساع في بلاد الفرس ناشرًا دعوته.

قلعة الموت وأخواتها

لم يكن حسن الصباح - أثناء جولاته التي لا تكاد تقطع - مشغولًا فحسب بكسب الأنصار القضية، وإنما كان مهتمًا كذلك بأن يجد لنفسه قاعدة ما، لم يكن يريد أن يحصل على مخبأ سري في المدينة، مما يجعله تحت خطر الاكتشاف والاقتحام المستمر، وإنما كان يبحث عن مطل نام منيع يستطيع بفضل حصانته أن يوجه حربه ضد إمبراطورية السلاجقة، ووقع اختياره أخيرًا على قلعة الموت Alamot وهي حصن مقام فوق طنف ضيق على قمة صخرة عالية في قلب جبال البورج Al Borg ويسيطر على واد مخلق صالح للزراعة يبلغ طوله حوالي ثلاثين ميلًا وأقصى عرضه ثلاثة أميال والقلعة ترتفع أكثر من 6000 قدم فوق سطح البحر. وبعد أن نجح حسن الصباح في زرع أنصاره داخل القلعة غادر قزوين إلى مشارف «الموت»، حيث مكث مختبئًا بعض الوقت إلى أن تمكن أنصاره من تهريبه سرًا إلى داخل القلعة في يوم الأربعاء الموافق 4 سبتمبر 1090م، وظل فترة أخرى من الوقت متخفيًا داخل القلعة ولكن شخصيته لم تلبث أن أميط عنها اللثام في الوقت المناسب وتحقق المالك القديم للقلعة مما حدث ولكنه أسقط في يده ولم يستطع أن يفعل شيئًا لوقف مجرى الأحداث أو تغييرها وسمح له حسن بمغادرة القلعة.

وفاة حسن الصباح

في مايو 1124 مرض حسن الصباح وشعر أن نهايته تقترب فأعد العدة لمن يخلفه ووقع اختياره على برز جميد الذي ظل عشرين عامًا قائدًا لقلعة لاماسار ليكون خليفة له.

كانت تلك نهاية شخصية عظيمة، ويصف المؤرخ العربي ابن الأثير الصباح الذي لم يكن صديقا له بأي حال بأنه (كان ثاقب الفكر، قديرًا و حاد الذهن عليمًا بالهندسة والحساب والفلك والسحر وأشياء أخرى)، أما الترجمة الاسماعيلية لحياته والتي اقتبس منها المؤرخون الفرس أمثال الجويني ورشيد الدين وكاشاني فإنها تركز على زهده وتقشفه فنقرأ فيها ( طوال 35 عامًا عاشها في الموت لم يجرؤ أحد على شرب الخمر علنًا أو وضعه في الجرار ) ولم تكن شدته على خصومه فحسب، وإنما على أقرب أقربائه كذلك.

المسمى ونهاية الحشاشين

جاءت نهاية قوة الحشاشين تحت الهجوم المزدوج للمغول وسلطان مصر المملوكي الظاهر بيبرس في عام 1266. أما مسمى ( حشاشين) فحوله كثير من الأراء والغموض كما هي الفرقة ذاتها. ويذكر المؤلف في بداية الدراسة أن الإسماعيليين أو الباطنيين كانوا قد عرفوا باسم «الحشاشين في تواريخ الصليبيين، وكان هذا الاسم يلفظ ويكتب بأشكال متباينة إما بسبب غلط النساخ، كما يقول فالكونيت، أو بسبب جهل المؤلفين أنفسهم. ومن بين تلك التحويرات، تلك التي أصبحت. Assissini, Assessini, assassini: أكثرها وثوقًا وهي وHeissessini. بعض من الكتاب اللاحقين ذهبوا إلى أن الحشاشين سموا كذلك لأنهم كانوا مدمني القنب الهندي إلا أنه فسر الاسم طبقًا للاستخدام السري للحشيش بواسطة زعماء الفرقة من أجل أن يعطوا مبعوثيهم جرعة مسبقة من مباهج الفردوس التي تنتظرهم لدى نجاحهم في اتمام مهامهم وربط بين هذا التفسير والقصة التي أوردها ماركو بولو وبعض المصادر الشرقية والغربية الأخرى عن حدائق الفردوس السرية التي كان يدخل اليها الأنصار المخدرون.

غير أن هذه القصة رغم ظهورها المبكر وانتشارها الواسع تكاد تكون غير صحيحة إطلاقًا، ان استخدام الحشيش وآثاره كان شيئًا معروفًا في ذلك الوقت ولم يكن بالسر المجهول أو وقفًا على زعماء تلك الفرقة، ولم يذكر أحد من الكتاب الإسماعيليين أو كتاب السنة الجادين أن الإسماعيليين كانوا يستخدمون هذا المخدر، وكل الدلائل تشير إلى أن الاسم هو الذي أوجد القصة لا العكس، ومن بين التفسيرات المختلفة التي طرحت يبدو أن الأكثر احتمالًا أنه تعبير يدل على احتقار العقائد العفنة والسلوك المعيب لأعضاء تلك الفرقة، فهو تعبير ساخر عن سلوكهم أكثر من كونه وصفًا حقيقيًا لأفعالهم.

برنارد لويس (Bernard Lewis)‏

(1916 - 2018)

من مواليد لندن ببريطانيا.

أستاذ بريطاني/ أمريكي لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون.

تخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب

تخرج عام 1936 في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS)

انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية محاضرا بجامعة برنستون وجامعة كورنل في السبعينيات.

حصل على الجنسية الأمريكية سنة 1982

من مؤلفاته:

«أزمة الإسلام الحرب الأقدس والإرهاب المدني».

«العرب في التاريخ».

«الهويات المتعددة للشرق الأوسط».

«الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أمريكية».

«اكتشاف المسلمين لأوربا».

«من بابل إلى التراجمة تفسير الشرق الأوسط».