هل تخيلت يومًا أنك قد تفقد عقلك، وليس فقدان جزء من معدتك فقط، عندما تقوم بعملية التكميم؟.

الأمر ليس مزحة، ولا هلوسات أو شائعات لإثارة الخوف من هذا النوع من العمليات الجراحية.

هذا الموضوع بات اليوم موضع نقاش جاد ومسؤول من ذوي الاختصاص، وصار حديث وسائل التواصل الاجتماعي، التي يبدي مستخدموها صدمتهم منها وقلقهم حياله، فيغوصون أكثر في رحلة البحث عن اليقين والإيضاح، فيما ينقسم اختصاصيو جراحة السمنة بين مؤيد ومعارض لما يقال حوله.

هذا التباين في ردود الأفعال المجتمعية، وحتى المتخصصية؛ جاء استنكارًا لفكرة «التكميم يسبب الجنون»، التي انطلقت شرارتها بعد حديث استشاري جراحة المخ والأعصاب الدكتور، هاني الجهني، الذي لفت إلى أن عدم الالتزام بتناول الفيتامينات بعد التكميم يسبب ضمورًا في الدماغ، وبالتالي يتدهور معه حال المريض ليصل إلى حال أشبه ما يكون بالطفل الصغير.

تحذير الجهني، قابله أطباء متخصصون في جراحة السمنة بالتأييد والمعارضة، بين مؤيد ومعارض.

عقل طفلة

كان الدكتور، هاني الجهني، استشاري جراحة المخ والأعصاب، قد حذر من مضاعفات ما بعد عمليات تكميم المعدة، وقال إن لها تأثيرًا سلبيًا على الدماغ، كاشفًا عن حالة مرضية لامرأة في الثلاثينيات، تعاني نقصًا شديدًا في الفيتامينات، اتضح فيما بعد أنها أجرت عملية تكميم معدة، مبينًا أن نقص الفيتامينات أدى إلى ضمور الدماغ لديها، حتى أصبحت مثل الطفلة الصغيرة.

وأضاف «على الرغم من أنني استشاري مخ وأعصاب، لم أكن أصدق سابقًا أن نقص الفيتامينات يسبب ضمورًا في الدماغ، ولكن بعد مزيد من البحث، وجدت أن نقص الفتيامينات يمكن أن يتسبب في ضمور الدماغ، خاصة لدى المرضى الذين أجروا عمليات تكميم أو قص المعدة».

وتابع «كثير من الناس بدأ يتجه إلى إجراء عمليات تكميم المعدة، الأمر الذي يفرض عليهم أن يتوخوا الحذر قبل الإقدام عليها، كما يستلزم الحرص على تعليمات الأطباء بعدها بتناول الفيتامينات والالتزام بها حتى لا يتطور الحال إلى الأسوء ويصل بالمريض إلى ضمور الدماغ».

اهتمام عالمي

يختلف الدكتور مالك المطيري، استشاري جراحة السمنة مع الدكتور الجهني، ويقول لـ«الوطن» إن «مرض السمنة هو وباء منتشر حول العالم، ولا يكاد بيت يخلو من مصاب به، وأكثر المجتمعات التي تعاني من السمنة هي منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص منطقة الخليج؛ لذلك فإن مرض السمنة وجراحاتها تجد اهتمامًا بالغًا حول العالم، كما أنها تنال الاهتمام حتى على مستوى مشاركة الرأي لدى كثير من المجتمعات في الطرح الذي يحدث من ناحية تطور جراحاتها، أو حتى الأدوية المستخدمة في إنقاص الوزن».

وأكمل «اليوم نجد كثيرًا من الأشخاص يتحدثون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن مرض السمنة بنصائح أو اهتمامات معينة، لكن لا بد لنا من البحث عن المعلومة الصحيحة من ذوي الاختصاص في جراحات السمنة».

مثلث المسؤولية

عن التكميم، قال «لكل إجراء جراحي نسبة مضاعفات إيجابية وسلبية، لا بد للمريض أن يطلع عليها ويأخذ معلوماتها من مختص، بمعنى أن الأشخاص الذين يقررون إجراء العملية لا بد لهم أن يطلعوا مسبقًا على عدة أمور أهمها 3 نقاط محورية تقع تحت مسؤولية الجراح..

أولها: التسريب، وهي أن المعدة قد يحدث فيها تسريب ونسبتها حول العالم من 1 إلى 2%، وهذه لا بد أن يعرفها المريض، وهي تعتمد على الجراح والأدوات الجراحية المستخدمة، لذلك على المريض أن يلجأ إلى جراح مختص في عمليات السمنة، وأن يكون مصنفًا من هيئة التخصصات الصحية، وأن يتأكد من أن الأدوات الجراحية ذات جودة عالية.

ثانيًا: النزيف، ويتفاداه الطبيب الجراح قبل العملية بأن يكون ضغط الدم مناسبًا، أما خلال العملية فيلجأ الطبيب عادة إلى رفع الضغط كي لا يكون هناك أي نزيف، وهذه تعد من واجبات الطبيب الأساسية.

ثالثًا: الارتجاع والحموضة، فعادةً إذا تم قص المعدة يصغر حجمها، فإذا كان فيها التواء أو تضييق يكون ذلك سببًا للارتجاع والحموضة، منوهًا أن من يعاني من الارتجاع والحموضة بعد 6 أشهر من العملية يكون فيها مشكلة، فلا بد من مراجعة الطبيب الذي قام بإجراء العملية، لذلك لابد للمريض أن يعرف الجراح المناسب الذي لديه خبرة عالية في جراحات السمنة، حتى يتفادى هذه المضاعفات بعد التوكل على الله».

خطورة التجلط

أوضح المطيري كذلك مسؤوليات المريض فيما يخص التكميم، وقال «أما المريض فعليه مسؤوليات أخرى أولها تجنب التجلط الدموي»، لافتًا إلى أن «السمنة بحد ذاتها فيها نسبة خطر فهي تسبب تجلط الدم، ولذلك يأخذ المريض مسيلا للدم بعد العملية، لكن الأساس لمنع التجلط هو المحافظة على شرب السوائل بكميات كبيرة، وأيضًا الحركة ما بعد العملية، وتنتهي خطورة التجلط بعد شهر من العملية».

إلزامية الفيتامينات

أردف المطيري «يكون المريض مسؤولاً أيضًا عن تناول الفيتامينات؛ لأنها هي الشيء الأساسي لإجراء جراحة السمنة وتحديدًا التكميم، وتكون إلى 6 أشهر أو أكثر، وعلى حسب نزول الوزن، وفي عمليات تحويل المسار المصغر أو الكلاسيكي تكون لمدى الحياة».

وأشار إلى أنه «بالنسبة للفيتامينات التي تكون خلال مرحلة 6 أشهر؛ فهي علاج لا بد منه لأن نزول الوزن يكون عاليًا، ومن الطبيعي أن يكون هناك نقص في الفيتامينات على أثر ذلك، ولا بد من تعويضه عن طريق استخدام الفيتامينات وهذه علاجها أسهل، فالمريض لا بد أن يعرف أن الفيتامينات علاج أساسي، وليست مكملات، لأن نقصها قد يسبب مشاكل الأعصاب؛ لذلك لا بد من الالتزام بتناولها، مشددًا على أنها ليست مكملات، فكثير من المرضى يتوقع أن الفيتامينات مكمّل وهذا خطأ، لأنها علاج مهم خاصةً خلال الـ6 أشهر بعد عملية التكميم».

ترهلات الجسم

أكمل المطيري «لا بد للمريض من أن يعرف أن جراحة السمنة يكون فيها تغيير كامل للجسم من ناحية الشكل، فقد يكون الجسم سيئًا ومترهلاً، أو يكون مشدودًا وجميلا، وهذه يحددها الشخص ولا تحددها العملية، ولا يحددها الجراح بل المريض نفسه، بمعنى أن الشخص الذي يعاني من السمنة لدية كتلة عضلات التي هي الشكل الجمالي للجسم، لكنها محاطة بالدهون التي تخفي هذا الجمال، فإذا حدث نزول بالوزن وجزء من وزن العضلات، أي كيلو من العضلات ينخفض لا بد أن يعرف المريض بأنه سيكون عرضة للترهل، أو أنه قد فقد شيئًا من جمال الجسم، على ذلك لا بد أن تكون هناك عملية نحت للجسم بنزول نسبة الدهون، والمحافظة على نسبة العضلات بشكل أعلى، وهذا لا تحدده العملية التي تساعد في نزول الوزن».

أسلوب حياة

شدد المطيري على أنه على المريض أن يعتني بأسلوب حياته، وأن يكون أسلوب الحياة صحيًا، وأن يكثر من شرب الماء بشكل كبير حتى يكون لون البول فاتحًا جدًا لأن الجسم يحتوي على نسبة 60%؜ من الماء، وأخذ البروتين، والابتعاد عن السكريات والنشويات، لأن البروتين يغذي العضلات، ولا يستطيع الشخص أن يبني كتلة العضلات إلا بالبروتين وتمارين رياضة المقاومة، وعليه أن يضع في ذهنه أن السمنة مزمنة، فلا بد أن يحافظ على أسلوب حياة صحي.

البحث عن مساعدة

يقول المطيري «في عيادتي، يأتي مريض السمنة، إما بحثًا عن مساعدته في الحد من السمنة، سواءً بالطرق الجراحية أو غير الجراحية، أو أنه يأتي محولاً من عيادات أخرى، على سبيل المثال لا الحصر، عيادة العظام، التي تطلب منه إنقاص وزنه قبل تبديل المفصل، أو عيادة جراحة الأعصاب التي تشدد على إنقاص الوزن قبل إجراء أي عملية، لذلك أستطيع التأكيد أن عمليات علاج السمنة، لم تعد تجميلية، يذهب المريض لإجرائها، وإنما هي عملية علاجية مهمة لعلاج أمراض مصاحبة للسمنة».

واستأنف «جهود وزارة الصحة مشكورة واضحة للعيان من خلال عملها على علاج هذا الوباء بطرق جراحية، عبر تأسيس أكثر من 21 مركزًا مجانيًا للسمنة حول المملكة، لمحاربة مضاعفات الأمراض التي تؤدي إلى داء السكري والضغط ومشاكل القلب، وغيرها».

واستدرك «لا بد من وضع حد وقوانين صارمة لمن يتحدثون بغير تخصصاتهم، فهم قد يوجهون المرضى ممن هم بحاجة ماسة إلى العلاج؛ لعدم أخذها وترويعهم من خلال بحثهم عن الشهرة أو غيرها».

المكملات الغذائية

أما الدكتور خالد مرزا، رئيس الجمعية السعودية لجراحة السمنة والتكميم، فيتفق تمامًا مع ما جاء به الدكتور الجهني، ويقول «بناءً على ما ذكره الدكتور هاني عما تسببه عمليات التكميم من آثار جانبية بعيدة المدى مثل ضعف في أعصاب الأطراف، وضمور الدماغ، من الجميل أن يطرق استشاري مخ وأعصاب ناقوس الخطر على هذه الجزئية المهمة، لأن حديثه يتماشى مع التحذيرات التي نوجهها إلى مرضى السمنة، الذين يجرون عمليات تكميم معدة، ونشدد عليهم بأهمية تناول المكملات الغذائية بصفة منتظمة، ولكن البعض منهم لا يلتزم بهذا الأمر، فيتسبب لنفسه بكثير من الأضرار الصحية على المدى البعيد».

وأضاف «هناك عدة جراحات لعلاج السمنة من ضمنها عملية التكميم، التي تستهدف تحجيم المعدة، وتصغيرها لتقليل كمية الطعام التي يتناولها المريض، ما يؤدي إلى نزول الوزن، ولذلك، ننصح المرضى قبل إجراء عملية التكميم، بتناول المكملات الصحية مدى الحياة، ونحذرهم بأن نقص بعض الفيتامينات مثل فيتامين «ب» أو «د» أو الحديد، قد يؤدي إلى أعرض خطيرة، منها ضمور العضلات والأعصاب، وضعف التركيز، وكذلك هشاشة العظام، وفقر الدم».

وأضاف «أوضحت جمعية طب السمنة، وفقًا لعديد من الأبحاث العلمية، أن مريض السمنة يعاني من متلازمة السمنة، ومن ضمنها الترسبات في خلايا الدماغ، وهي موجودة بسبب الزيادة المفرطة في الوزن، كما أن للسمنة دورها في ضعف بعض خلايا الدماغ».

وأكمل «مما أثبتته الدراسات أيضًا أن إجراء عمليات التكميم أو جراحة السمنة مع الالتزام بتناول المكملات الغذائية يسهم في تحسن التركيز، ووظائف الأعصاب، وكذا وظائف الدماغ، مما يثبت أن نزول الوزن يعمل على هذا الجانب التحسيني، وليس العكس».

وأشار إلى أثر التهاون في تناول المكملات والفيتامينات بعد العملية الجراحية، وقال «المكملات الغذائية، لا يمكن تعويضها بالأكل الطبيعي، ونحن كأطباء نرى أن إهمال المريض تناول المكملات الغذائية على المدى البعيد، يؤدي إلى تدهور حالته الصحية، وتظهر عليه أعراض الضمور، وغيرها، ولكن يمكن أن نبشر المرضى بأن مثل هذه الحالات، يمكن تلافيها، مع إمكانية الشفاء منها تمامًا، عن طريق التعرف على نقص الفيتنامينات الموجودة».

وأردف «قد يكون للحديث الذي أثاره الجهني حول هذه المضاعفات جانب إيجابي في توعية المريض لضرورة الالتزام بتناول الفيتامينات، وإجراء التحاليل الطبية بشكل دوري مدى الحياة، لمعرفة طبيعة الصحة العامة، وما إذا كان هناك نقص في فيتامين معين».