ما إن أغلقت أمانة محافظة جدة سوق (حراج) الصواريخ حتى وجدت النباشات والعمالة المخالفة مكانا آخر صار بديلا آمنا لهم للاتجار في المواد الغذائية والمعلبات والملابس المستعملة، وذلك أمام مخازن السوق، حيث استغلوا الساحة المقابلة للسوق في بيع الملابس المستعملة المتراكمة على هيئة مجموعات فوق بعضها بعضا، التي تختلط بها النفايات والحشرات في مشهد منفر، ولا يراعي أي جانب من جوانب النظافة والصحة.

ورصدت «الوطن» أطنانا من الملابس المستعملة المعروضة تحت أشعة الشمس، وبين تجمعات النفايات، وهي معروضات تجذب أعدادا كبيرة من العمالة التي تفضل شراء هذا النوع من الملابس، إلى جانب عرض معلبات مواد غذائية لا أحد يكترث بتاريخ صلاحيتها، وما إن كان قد انتهت أو شارفت على الانتهاء.

ملابس مستعملة

يقول مقصود محمد، وهو من العمالة الوافدة، إنه منذ إيقاف البيع في سوق الصواريخ صار هناك بديل لبيع الملابس المستعملة للعمالة وبعض الأسر. وأضاف: «منذ الصباح الباكر توجد أعداد كبيرة من العمالة والنباشات الذين يعرضون شتى أنواع الملابس المستخدمة. وللسعر الرخيص لهذه الملابس، فإنها تجد إقبالا شديدا عليها من العمالة، لشراء ما تيسر لهم منها، حيث تتراوح قيمة القطعة الواحدة من الملابس ما بين ريال و5 ريالات»، مشيرا إلى أنه يتردد على الساحة نهاية كل أسبوع، للاطلاع على الجديد المعروض من الملابس المستعملة، وشراء ما يناسبه منها.

المواد الغذائية

يبرر صابر فاضل وجوده في موقع السوق بأنه يحرص كل يوم على زيارة البائعين، لشراء معلبات مواد الغذائية المعروضة. وقال: «نجدها رخيصة الثمن مقارنة بما يعرض في المحلات، فقيمة علبة الأطعمة المعلبة مثل التونة والخضراوات والقشطة ريال، وقد يصل سعر بعضها إلى ريالين».

وحول ما إن كانوا يهتمون بتاريخ صلاحية تلك المعلبات أو يطلعون عليه، أجاب: «نعم نعلم أن تاريخ صلاحيتها يشارف على الانتهاء، فتاريخ صلاحية بعضها ربما بقي له شهر أو أقل. لذا، فإنهم يعرضونها للبيع أمام سوق الصواريخ بأسعار زهيدة قبل أن يضطروا إلى إتلافها».

وتابع: «نحن مجموعة من العمالة نسكن في سكن عمال مشترك، لذلك نشتري كميات كبيرة من المعلبات من النباشات والباعة هنا، ونستهلكها قبل انتهاء مدة صلاحيتها، ونحن نرى أنه لا ضرر علينا منها ما دامت تُستهلك قبل انتهاء صلاحيتها».

تخلص من المنتهي

من جهتها، توضح إحدى النباشات لـ«الوطن»، مفضلة عدم الإفصاح عن اسمها، أنها تحصل على المعلبات التي تبيعها في الساحة عبر شرائها من تاجر الجملة الذي يود التخلص منها، فيبيعها لها بثمن بخس، لأنها صلاحيتها شارفت على الانتهاء.

وتضيف: «في السابق كنا نشتري تلك المعلبات التي شارفت صلاحيتها على الانتهاء بأسعار منخفضة، ونبيعها داخل السوق. أما الآن، وبعد إغلاق السوق، فقد صرنا نعرضها للبيع في ساحة الملابس المستعملة التي وجدناها بديلا للسوق، ويؤدي الغرض نفسه».

تحفظ على الطريقة

بدوره، تحفظ الصومالي آدم حسن، وهو يعمل بائعا في ساحة الملابس المستعملة، على طريقة حصوله على تلك الملابس التي كان يتوسط كمية كبيرة منها وهو يتحدث إلى «الوطن».

وقال: «أجمع تلك الملابس بطريقتي، ولا أريد أن أشرحها لكم، ثم أخزنها في منزلي، وأعمل على فزرها، بحيث أضع الملابس المخصصة للرجال لوحدها، وتلك النسائية لوحدها، ثم أحملها كل صباح بسيارتي لأعرضها في الساحة التي صارت موقعا جديدا وبديلا لسوق الصواريخ، وصارت العمالة تتردد عليها، لشراء ما يلزمها منها».

وعن دخله اليومي، أوضح: «يترواح ما بين 200 و300 ريال يوميا، والأسعار تتراوح بين ريال و5 ريالات حسب نوع القطعة وجودتها».

ماركات مستعملة

من جهته، أكد شريف أحمد، وهو أحد باعة الملابس المستعملة في الساحة، أنه يشترى ملابس الماركات من النباشات اللواتي يجمعنها من المنازل بعد التجوال في الأحياء أو من حاويات النفايات، حيث يرمى كثيرون أكياس الملابس المستعملة في الحاويات وغيرها، فتجمعها النباشات، وتبيعها للعمالة بالكيلو، وبعد ذلك تأخذها العمالة لبيعها على مرتادي ساحة الملابس المستعملة.

وأضاف: «يشهد هذا النوع من الملابس إقبالا كبيرا من العمالة الوافدة التي تقتنيها، وهناك من يقتنيها من أصحاب الحاجة من الأسر، ويختلف بيع الملابس الماركات عن غيرها من الملابس المستعملة، فهي أغلى ثمنا».

بكتيريا في المستعملة

يبيّن استشاري الأمراض المعدية الدكتور عبدالعزيز سيف أن استخدام الملابس المستعملة قد يصيب من يرتديها أو يتعامل معها بالحساسية والطفح الجلدي. وأوضح: «كثير من هذه الملابس تحمل بكتيريا تظل عالقة بها».

ونصح: «لا بد من غسل تلك الملابس، وتعريضها إلى أشعة الشمس قبل ارتدائها، فهي قد تصيب البعض بمرض الجرب، وهو مرض معدٍ، حيث ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق الملابس الملوثة وغير النظيفة. كما أن غالبية هذه الملابس قد تكون مصنوعة من أنسجة رديئة تتسبب في الحساسية للأفراد، إلى جانب أنها قد تنقل عددا من الأمراض الجلدية إذا لم تُغسل وتتعرض لأشعة الشمس».

تحركات رسمية

خلاف ما قد يتبادر إلى الذهن من أن ساحة بيع الملابس المستعملة تبقى دون رقيب، فإن الأمر لا يخرج عن إطار لعبة «القط والفأر» التي تمارس عادة بين من يبيعون بشكل غير قانوني ودون تصاريح رسمية وفي أماكن محددة مع مراعاة القواعد الناظمة البيع الآمن، وبين الجهات المعنية التي تبذل جهودها لإعمال القانون وضبط المخالفات.

وفي هذا الإطار، وفي وقت سابق، صادرت أمانة محافظة جدة 140 طنا من الملابس المستعملة والمواد الغذائية خلال حملة مشتركة بمنطقة «حراج الصواريخ»، ضمن جهودها في مكافحة التلوث البصري وتحسين المشهد الحضري على الطرق وداخل الأحياء ومواقع التسوق.

وترصد الأمانة وتعالج الظواهر السلبية في جميع الأحياء، وتطبق الإجراءات النظامية على المخالفين، للحد من المخالفات البلدية، ومنع الأنشطة المحظورة وغير المصرح بها.

وسبق أن أتلفت أمانة محافظة جدة 15 طنا من الملابس الجاهزة خلال حملة مشتركة بمنطقة «حراج الصواريخ»، بينما بلغت المواد الغذائية المنتهية نحو 400 كجم.

تجربة الجمعيات

دعا مراقبون إلى الاستفادة من تجربة بعض الجمعيات الخيرية، التي عملت سابقا في تجميع الملابس المستعملة وعالجتها، لتكون صالحة للاستخدام، ووزعتها لاحقا على المحتاجين ممن يسجلون لدى تلك الجمعيات.

ورأى هؤلاء المراقبون أن تطبيق تجربة تلك الجمعيات في الملابس المستعملة التي تباع بالساحة ربما يخفف قليلا من إمكانية نقل تلك الملابس الأمراض، ويخفف تأثيرها الصحي السلبي.

وقد أطلقت مبادرات عدة في هذا الشأن بالتعاون مع الجمعيات الخيرية مثل مبادرة «عون»، التي أرادت مد يد العون للمجتمع والبيئة من خلال الاستفادة من فائض الملابس بدعم الجمعيَّات الخيريَّة، والتبرع بها للأسر المتعفِّفة وإعادة تدويرها.

ووفق المبادرة، يتم العمل على جمع الملابس المستعملة، ثم تنظيفها ووضعها في أكياس مناسبة، وتوزيعها على المحتاجين لها.

خيرك واصل

بدوره، قام مشروع «خيرك واصل» على إعادة تدوير الملابس المستعملة، وفرزها وتنظيفها، وإعادة تهيئتها لتكون قابلة للاستخدام مرة أخرى، ويستفيد من ريعها الفقراء والمحتاجون.

ووفق المشروع، يتم فرز الملابس بحسب أصنافها وجودتها، وتسلم للجمعية الخيرية.

ويتلقى المشروع طلبات تبرع عبر موقعه الإلكتروني، حيث يتم التواصل مع الشخص، للتأكد من موعد التسليم، ثم تأتي مرحلة فرز وإعادة تدوير الملابس، وإيصالها إلى المستحقين، لتحقيق المنفعة لأكبر قدر منه، إذ يتم تسليم الملابس للمستفيدين من الجمعيات الخيرية.

آلية عمل الجمعيات

بيّن محمد الغامدي، وهو مشرف في جمعية خيرية بجدة، أن الجمعية تستقبل تبرعات الملابس المستعملة، وأنهم يفرزون الملابس داخل الجمعية، ثم تتم إعادة تدويرها، بحيث تفرز إلى ملابس تحتاج إلى ترميم بالخياطة، فيعلمون على إصلاحها، ثم غسلها وفق آلية حديثة، حتى يتم ضمان سلامة هذه الملابس ونظافتها، ووضعها في أكياس وصناديق، وتوزع على المستفيدين.

وعن التكلفة الإجمالية لعملية إعادة التدوير، أفاد الغامدي: «عمليات إعادة تدوير الملابس من ناحية شراء مستلزمات التنظيف الخاصة بغسل هذه الملابس وأجهزة المغاسل ومواد التعقيم والأكياس والصناديق قد تكون في حدود 60 ألف ريال كل عام».

تطبيق التجربة

أشار حسن أشرف، وهو موظف في جمع الملابس المستعملة بإحدي المنصات المعتمدة، إلى أن «المنصة تهدف إلى جمع الملابس المستعملة، ثم تعيد تدويرها، وتمر هذه العملية عبر تنظيم يضمن سلامة الملابس صحيا، بعد غسلها وتعقيمها»، داعيا إلى تطبيق هذه الآلية على جميع من يجمع الملابس المستعملة. وقال: «تجربة الجمعيات والمنصات المخصصة لجمع الملابس آمنة بدلا من شراء ملابس مستعملة من الباعة المخالفين أو النباشات، فهذه الملابس قد تحمل كثيرا من البكتيريا والأمراض نتيجة عدم غسلها وتعقيمها».

تنظيم عبر منصات

إلى ذلك، تساءل متابعون عن إمكانية إسباغ شكل من التنظيم على بيع تلك الملابس عبر مرورها في منصة إعادة تدوير، مثل مبدأ «منصة إكساء»، وهي منصة سعودية تعيد تدوير فائض الملابس المستعملة والورق والكرتون والبلاستيك وغيرها وفق أسس ومعايير عالية، للحفاظ على البيئة والصحة العامة والمظهر العام، وتهدف إلى التخلص من الفائض عن الحاجة بطرق حديثة وآمنة من المنازل بكل سهولة، ورفع مستوى الوعي بين المجتمع، والحد من التشوه البصري، وتوفير فرص عمل للشباب السعودي.