من سواحل جدة إلى المدينة المنورة، مرورا بقرى رابغ وخليص وعسفان ووادي قديد ومستورة والفقرة ووداي الفرع إلى خيبر، ما زال الأهالي في تلك المناطق يتمسكون بشتى أنواع الفنون الشعبية الأصيلة التي عرفوها، حيث يحافظون عليها في معظم المناسبات الاجتماعية التي يقيمونها مثل الأعياد والأعراس وغيرها.

وتستخدم في تلك الفنون أدوات موسيقية عدة، منها «البوص» أو «المزمار» أو «المجوز» حسب ما يسمى في بعض الدول العربية، إلى جانب بعض أدوات الإيقاع التي تعد من أقدم آلة تستخدم في فن الخبيتي.

واشتهر في المنطقة الغربية فن الخبيتي كفن شعبي يميزه عازفون مهرة لآلة «البوص» نالوا شهرة عريضة، منهم حامد الأعمى، والفنان محمد الثعلبي وغيرهم.

أهم الأدوات

يشير عبدالمجيد الحربي، وهو صاحب فرقة تحيي الفنون الشعبية، إلى أن «آلة البوص، كما تعرف بـ«المزمار»، تعد من أهم الآلات التي تستخدم في فن الخبيتي، وهي عبارة عن قطعة خشب مجوفة، تتكون من قصبتين جمعتا مع بعضهما بعضا، وهي آلة نفخية، ينفخ فيها العازف، وتحتوي على فتحات صغيرة متجاورة، تُصدر نغمات وألحانا عدة حين تتحرك أصابع العازف فوقها، لتغلق فتحة وتفتح أخرى».

وأضاف: «يوجد نوعان لهذه الآلة: «المجوز»، وهو الذي يضم قصبتين مضمومتين إلى بعضهما بعضا، وهناك «المفرد» وهي قصبة واحدة».

معرفة بالتوارث

أوضح عازف مزمار «البوص» سعيد أحمد، من أبناء ينبع النخل، أنه يشارك في كل مناسبات أهل القرية، حيث يعزف على البوص. وأضاف: «توارثت العزف من الأجداد، وكنت مولعا بحب العزف والتعلم على آلة البوص».

وبيّن أن التعلم على هذه الآلة يحتاج صبرا، ولا بد أن تكون للعازف أنفاس طويلة، لأن عملية النفخ في البوص عبر القصبة يتطلب قوة في الأنفاس المتواصلة حتى يستطيع تقديم نغمات متناسقة مع الفرقة.

واستطرد سعيد: «أشهر الفنون الشعبية التي يستخدم بها «البوص» فن الخبيتي، وفي الوقت الراهن بدأت كثير الأسر تُحضر عازفا للمزمار مع فرقة الخبيتي، وهناك إقبال أكبر من السابق عليه، لأن عازف البوص يجذب الحضور بنغماته».

أساس التعلم

شدد محمد الأحمدي، وهو عازف آلة البوص، على أن تعلم العزف على هذه الآلة الموسيقية يحتاج للصبر. وقال: «تعلمت العزف على هذه الآلة منذ صغري، حيث كنت أذهب رفقة والدي إلى مزارع النخيل في المدينة المنورة، وكنت أقضي الوقت في العزف على البوص الذي دربني والدي على عزفه».

وأوضح: «لا يمكن لأي كان تعلم العزف على هذه الآلة، فإتقان العزف عليها يتطلب أولا رغبة جدية ممن يرغب في تعلمها، فهي آلة متعبة وصعبة، وتحتاج إلى تركيز حتى يتمكن العازف من إصدار نغمات متناسقة في أثناء النفخ بها».

وأضاف الأحمدي: «يستخدم البوص عادة في الأعراس والأعياد والمناسبات الاجتماعية التي يقيمها الرجال».

الأكثر طلبا

شهدت آلة البوص في الآونة الأخيرة اهتماما ملحوظا من قِبل الشباب. وقال عادل الحازمي، وهو متعهد حفلات شعبية، إن «غالبا ما يترافق حجز فرق الخبيتي مع طلب عازف «بوص»، ويكون ذلك غالبا في الأعراس».

من جهتها، أوضحت مصادر أن مناسبات السيدات لا يحضر فيها البوص، خاصة في أثناء أداء فن الخبيتي، لأن كل عازفيها من الرجال، وليس هناك حتى الآن عازفة بوص، ويعود ذلك إلى عدم مقدرة المرأة على تحمل العزف على آلة البوص، لأنها تعتمد على النفخ المستمر والمتواصل في قصبة المزمار. بالتالي، فإن فن الخبيتي لدي النساء يعتمد على الطبول والأورج الكهربائي الذي يكون بديلا عن البوص.

تاريخ قديم

تعد آلة البوص من الآلات القديمة التي استخدمها الإنسان بعدما صنعها بداية من قرون الحيوانات، ثم بدأ لاحقا صناعتها من أعواد القصب (قصب السكر)، ثم من الألومنيوم.

ويشبه «البوص» آلة الناي، لكنه يختلف عنها لاحتواء البوص على قصبتين ملتصقتين ببعضها بعضا، كل قصبة منهما تحتوي على 5 ثقوب، إلى جانب وجود ما يعرف بـ«البلابل» أو «الزقرة»، وهي عبارة عن قطعتين خشبيتين اثنتين يبلغ طولهما من 5 إلى 8 سم، وتلف عليهما خيوط رفيعة، لتحكم وزنية النفخ.

ويخزن عازف البوص الهواء داخل تجويف الفم، ويسربه شيئا فشيئا داخل البوص، ويتنفس في الوقت نفسه، أي يدفع الهواء داخل الآلة ويستنشق من الأنف، وهي عملية تبدو صعبة للغاية، ولكن بالتمرين المتواصل يتمكن العازف من القيام بها.

وفي هذه الحالة يستطيع العازف الماهر على المزمار أن يستمر في العزف أكثر من ساعة متواصلة بمصاحبة رقصة أو أغنية شعبية.

البوص وطريقة استخدامه

1 - البوص فردي

يتكون من ساق واحدة بها سبع ثقوب أمامية وثقبان من الخلف.

2 - البوص المقرونة

يتكون من قصبتين تجتمعان مع بعضهما بعضا، وفيهما ثقوب، وهذه يكون صوتها أعلى وتعطي فترة طويلة للعزف عليها.

3 - البلابل أو الزقرة

خشب طويل يبلغ طوله من 5 - 8 سم تلف عليه خيوط للتحكم في وزنية النفخ.