حوّل المواطن إبراهيم عبده يعقوب قرية أثرية مهجورة منذ أعوام طويلة إلى ملتقى ومجلس أدبي لاستقبال زوار قرية الجرف الأثرية بمحافظة رجال ألمع الذين يأتون إليها من داخل وخارج المنطقة.

وعمل يعقوب على ترميم وتأهيل قرية أجداده وحصونها الأثرية التي يعود أقدمها عمرًا إلى 5 قرون مضت، وحافظ على بعض معالمها وتفاصيلها ومقتنياتها القديمة وماضيها الجميل، وذلك بجهود ذاتية متحديًا تعاقب السنين التي مرت على القرية وتعرضها إلى عوامل التعرية الشديدة بعد أن هجرها أهلها ونزوحوا إلى حواضرهم الجديدة.

تأهيل


في جولة لـ«الوطن» زارت فيها قرية الجرف الأثرية ووقفت على حصونها الباقية، استوقفت مرشد القرية السياحي، صاحب المبادرة إبراهيم عبده يعقوب الذي أوضح لها أن فكرة الترميم واتته بعدما سمع توجيهات ولاة الأمر وحثهم الجميع على إعادة إحياء تراث الآباء والأجداد، وقال «لبيت الأمر، وأعدت ترميم وتأهيل كل ما يخص آبائي وأجدادي من حصون ومعالم في قرية الجرف التراثية الأثرية التي وقفت عليها عدة شركات ومؤسسات أجمعت كلها على أن القرية تحتفظ بمقوماتها الطبيعية وما زالت تتمسك بطبيعتها كما كانت منذ سكانها القدامى».

وأضاف «تطل القرية على وادي حلي وتضم عدة حصون من أهمها حصن الملتقى الذي يتكون من عدة طوابق، وفيها الاستقبال الذي يحتوي على صالة واسعة نُقشت جدرانها بألوان من التراث العسيري المعروف، وعُلقت على جدرانها علقت كثير من الأسلحة الأثرية، ومنها معابر عصملي يصل تاريخها إلى 200 عام، وأدوات حربية استخدمها سكان القرية الأولون».

وأكمل «في الغرف المجاورة للاستقبال كثير من المقتنيات والأدوات التي استخدمت في الحرث والزراعة والأكل والشرب آنذاك، وظلت كما هي من العهد القديم».

مزار تاريخي

يكمل يعقوب «بما أنني المسؤول عن القرية ومالك حصن الملتقى قمت وعلى حسابي الخاص بإعادة ترميم أجزاء كبيرة من القرية للحفاظ على ما تبقى من محتوياتها التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من ماضي الآباء والأجداد الأولين، ولكي تصبح مزارًا تاريخيًا لائقًا لاستقبال السياح والزائرين، ومع ذلك ما زالت القرية بحاجة إلى كثير من الدعم والإصلاحات».

وتمنى أن يحذو بقية جيرانه وأهله الآخرين حذوه بحيث يعملوا على ترميم قراهم.

حصن الملتقى

أوضح يعقوب «حوّلنا أحد حصون القرية إلى ملتقى نستقبل فيه زوارها وضيوفها من شعراء وأدباء وإعلاميين، وجعلناه نقطة الإنطلاقة بعدما يأخذون واجبهم وضيافتهم، وهذه عادة قديمة نقدم لهم (طفاية) عبارة عن وجبة منوعة من أكلات شعبية مصنوعة من البر والعسل والسمن البلدي ولحم الحنيذ وغيرها، وبعدها ينتقلون إلى الدور العلوي حيث الجلسة المفتوحة في الحصن والتي كانت في الماضي بمثابة قاعة لاجتماعات أهل القرية ومكانًا للضيافة، وهذا ما طبقناه هذه الأيام حيث يستمتع الزوار والضيوف بأجواء تراثية فيها من رائحة وعبق الماضي الجميل، كما نحرص على أن نسرد لهم هناك قصص الماضي عن هذه القرية، وكيف كانت ذات تحصينات عالية ضد هجمات اللصوص المباغتة وعمليات السرقة».

وتابع «كان للقرية مدخلين، لكل منهما باب لا يستطيع أي شخص من خارج القرية أو أي غريب عنها أن يدخلها في غير أوقات التسوق والبيع والشراء، وكان أهلها يتعاملون بإشاراتٍ وكلمات سريّة يعرفون بها بعضهم بعضا، وذلك أسلوبٌ حربي قديم أُستخدم لحماية القرية، فكان الباب الأول يسمى (الصعداء) ويحرسها من الجهة الشمالية، والثاني يحرسها من الجهة الجنوبية واسمه (الرهوة).

نشأة التعليم

يقول يعقوب «من هنا بدأت حكاية نشأة التعليم وانطلاقته في قرية الجرف الأثرية على يد المعلم عبدالله القرعاوي الذي قدِم من شمال المملكة آنذاك لنشر رسالة التعليم في منطقتي عسير وجازان، وتتلمذ على يده عدد من أبناء هاتين المنطقتين الذين بدورهم نشروا التعليم والتدريس حتى تخرّج على أيديهم مجموعة من الشخصيات التي ترعرعت جميعها ودَرَست في قرية الجرف التراثية».

ويكمل «بعد ذلك تأسست فيها أول مدرسة، وكان ذلك عام 1370، وقد بناها النائب يعقوب بن علي آل غاصب، وبعد كثرة الطلاب الذين أقبلوا على الدراسة فيها من أبناء القرية والقرى المجاورة لها، ولأن المنزل لم يعد يتسع لهم، قام النائب يعقوب من جديد ببناء مدرسة جديدة في حاضرة الجرف المسماة ظاهر آل موهوب حاليًا، حيث تولت استقبال الطلاب من القرى المجاورة، وبعد ذلك فتح مستوصف في نفس موقع المدرسة القديمة».

وتابع «يوجد في قرية الجرف التراثية مسجد يحتوي على طابقين، وبه المنزالة، وهي تقه في الطابق الأرضي، لتكون منزلًا للضيوف القادمين من خارج القرية أو عابريها من الحجاج والتجار وغيرهم، حيث يأخذون ضيافتهم على مدى 3 أيام وبعدها يعتذرون منهم بعدم استقبال داخل القرية».

حصون حربية

أكد يعقوب أن القرية تحتوي على عدة حصون منها ما هو للحماية الحربية، مثل حصن عاتق الذي يقع في القمة الجبلية من القرية، وكان يعد مقرًا للحراسة ومراقبة القرية، ومن خلاله تتم عمليات الدفاع عن القرية وحمايتها من الأعداء خلال عمليات الغزو أو محاولات السرقات التي كانت تتعرض لها لسلب مدّخراتها، ويعد من أقدمها حيث بني تقريبًا قبل أكثر من 500 عام، وقال «في القرية كذلك حصون مخصصة لحماية المحاصيل والحبوب الزراعية».

وتابع «تحيط المزارع بالقرية وصار بعضها الآن أوقافًا خيرية يعود نفعها على أهالي القرية وقوافل الحجاج وغيرهم»، مبينًا أن الزائر يستطيع أثناء تواجده في أعلى قرية الجرف التراثية أن يستمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة من أربع جهات نظرًا لوجودها في منتصف الجبل الذي بُنيت عليه من مئات السنين».

وأكمل «تنقل الإطلالات الأربع للقرية إلى حاضرة الجرف الحديثة باتجاه الشرق، وإلى الوادي والمزارع التي تقع أسفل القرية من جهة الشمال، وإلى القرية ذاتها من جهة الغرب، وأخيرًا إطلالة ساحرة تنقلك إلى أبعد ما تستطيع أن تراه من الجهة الجنوبية، ويوجد إطلالة أخرى مميزة على سطح القرية تتنقل من خلالها بين الماضي والحاضر، وقد قلت فيها ولحبي للانتماء للمكان:

كنت أحسبك يا امجرف مثل حيد عندنا

أثارك يا امجرف ولاية مثل واشنطن ولندنا

مكان إستراتيجي

يجمع محمد عبدالله أبو معبد، وعلي أحمد أبو زهير، وماطر أحمد آل غاصب، ويوسف يعقوب أبو شرارة من أهالي القرية القدامى على أن «قرية الجرف تعد موطن آبائنا وأجدادنا الذين نقلوا لنا أنها كانت موطن العلم ومهد التجارة والفنون الشعبية الأصيلة وسلّة غذاء محافظة رجال ألمع آنذاك نظرًا لأنها تقع في مكان استراتيجي في منتصف المحافظة.

وأبانوا أن القرية كانت تحتوي على سوقٍ قديمة على شكل دكاكين لبيع وشراء المواد الغذائية والملبوسات ومواد البناء واحتياجات الزراعة بشكلٍ عام، كما يوجد بها طاحون للحبوب ما زالت جدرانه صامدةً إلى هذه اللحظة.

وأوضحوا أن من أشهر تجار القرية يحيى بن أحمد حمود، ويحيى إبراهيم، والعم أحمد بن ماطر وعلي بن ماطر وغيرهم، ومن أشهر الدكاكين دكان أحمد أبو شقارة الذي كان مخصصًا لتبادل البضائع وبيعها من الأرز والسكّر والشاي والبن والهيل والزنجبيل وما إلى ذلك من الاحتياجات التي كانت تعتبر من أشكال الرفاهية في ذلك الزمن.

وأشاروا إلى أن ما قام به إبراهيم عبده يعقوب من ترميم وتأهيل للقرية يعد عملًا كبيرًا يقدّر ويثمّن له من قبل الجميع، لأن فيه حفظ لتراث الآباء والأجداد، وقد جاء بجهود شخصية منه، وتمنوا من بقية أصحاب القرى الأخرى أن يحذون حذوه وأن يؤهلوا قراهم ويرمموها يما يحيي تراث الأقدمين وبما ينشط سياحة المنطقة ويخلق مزيدًا من فرص العمل فيها.

قرية الجرف

ـ يعود تاريخها إلى 500 عام

ـ تقع في محافظة رجال ألمع بمنطقة عسير

ـ تطل على وادي حلي

ـ تضم عدة حصون من أهمها حصن الملتقى

ـ يتكون حصن الملتقى من عدة طوابق

ـ يضم حصن الملتقى استقبالًا يحتوي على صالة واسعة

ـ صالة الحصن منقوشة بألوان التراث العسيري

ـ علقت على جدران الصالة أسلحة أثرية يعود تاريخ بعضها إلى 200 عام

ـ تضم غرف الحصن مقتنيات وأدوات حراثة وزراعة وأكل وشرب

ـ كان للقرية مدخلان، لكل منهما باب لا يستطيع أي شخص غريب دخولهما خارج أوقات التسوق

ـ الباب الأول للقرية يسمى (الصعداء) ويحرسها من الجهة الشمالية

ـ الباب الثاني للقرية يحرسها من الجهة الجنوبية واسمه (الرهوة)

ـ شهدت القرية انطلاقة التعليم في منطقة عسير

ـ تأسست فيها أول مدرسة عام 1370

ـ تضم القرية مسجدًا من طابقين

ـ في الطابق الأرضي تقع المنزالة التي ينزل فيها الضيوف القادمون من خارج القرية أو عابريها

ـ تضم القرية عددًا من الحصون التي كانت تحميها ومنها حصن عاتق

ـ يقع حصن عاتق في القمة الجبلية من القرية

ـ يعد حصن عاتق مقرًا للحراسة ومراقبة القرية ومن خلاله تتم عمليات الدفاع عنها وحمايتها

ـ حصن عاتق من أقدم حصون القرية وبني قبل أكثر من 500 عام

ـ تضم القرية حصونا مخصصة لحماية المحاصيل والحبوب الزراعية

ـ للقرية التي تقع على قمة جبل إطلالات من 4 جهات

ـ تعد القرية ومزارعها التي تحيط بها سلّة غذاء محافظة رجال ألمع

ـ كانت القرية تحتوي على سوقٍ قديمة على شكل دكاكين

ـ يوجد في القرية طاحون للحبوب ما زالت جدرانه صامدةً حتى الآن