رواية (حي بن يقظان) التي كتبها الفيلسوف (ابن الطفيل) وترمز للإنسان وعلاقته ببيئته المحيطة وبالدين، وأن الإنسان قادر على الوصول إلى الكمال من خلال مراقبة الطبيعة والتفكير دون وجود مصادر تعلم.

ثم جاء (جون لوك) الفيلسوف الإنجليزي واقتبس من قصة ابن الطفيل كتابا يصف فيه العقل كصفحة بيضاء خالية من كل القواعد والموروثات المكتسبة، وبعد ذلك جاء الكاتب (دانييل ديفو) وكتب رائعته روبنسون كروز.

في مقال للكاتب (راسل قاسم) في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان (المدير حي بن يقظان) تساءل: (هل يمكن للإنسان بفطرته السليمة أن يهتدي إلى الصواب وأن يسلك طريق النجاح، ويتجنب جميع العوائق دون مساعدة الآخرين؟). السؤال الذي يطرح نفسه (هل قصة حي بن يقظان يمكن أن تتكرر بين فينة وأخرى، أم تظل مجرد خيال واسع الأفق أطلقه ابن الطفيل قبل ثمانية قرون؟). في الرواية (أن ظبية تبنت حي بن يقظان في إحدى الجزر المهجورة غير المأهولة بالسكان، والظبية هنا ليست سوى الرعاية الإلهية لخلقه، ويختلف مقياسها وفقا لمعايير القدر والمشيئة). ورغم أن حي بن يقظان نشأ في محيط لم يكتسب فيه أي تعليم أو خبرة أو نصيحة أو دعم، إلا أن الكاتب راسل القاسم يربط في مقاله بين تصرف حي بن يقظان بنقل الظبية التي كانت في مقام أمه، إلى مكان فيه خضرة لتأكل وتشرب بعد أن هرمت، وبين قانون التقاعد الذي أقره رئيس وزراء بروسيا (بسمارك) من خلال تقديم دعم مالي لكبار السن. ويستطرد الكاتب (أن حي بن يقظان عندما ماتت الظبية استدل أن هناك روحًا فارقتها وجعلتها غير قادرة على الحياة)، ويرى أن تلك الروح هي القلب النابض لكل قيادة وإدارة لتكون قوية ولتواجه جميع التحديات والصعاب.


ثم عندما بدأ حي بن يقظان يدرس محيطه ويتأقلم للعيش في تلك الجزيرة مع الحيوانات المفترسة والمخاطر الأخرى، كان هذا نوعا من التخطيط للتأقلم مع الوضع الراهن والقدرة على الاستمرار في المستقبل. ورغم ضعف الموارد وطرق التعلم لحي بن يقظان إلا أن قصته عاشت في ذاكرة التاريخ، لتظل إلهاما للآخرين، ولتجعل كل قارئ لتلك الرواية يفسرها بطريقته، والتي يستطيع عقله أن يرى صورة حي بن يقظان فيها. ولعلنا نغبط ابن الطفيل وبطل قصته حي بن يقظان في هذ الخيال الجامح والرؤية المتوقدة والرسائل الكامنة التي يمكن فهمها بطرق متعددة من أجل وضع سبل لمواجهة الصعاب والتحديات والتغلب عليها. مصادر التعلم اليوم أصبحت سهلة وليست كتلك الظروف التي كان يعيشها حي بن يقظان، ومع ذلك تتعجب من ضعف التعلم والذي انعكس بشكل كبير على ضعف التعليم والاقتصاد وانتشار الفقر والأمراض. مصادر التعلم كثيرة ومتنوعة كمهارات الذكاء العاطفي ومهارات التواصل والتخطيط الاستراتيجي والتنظيم الإداري وطرق التقييم والمتابعة، ولكن تلك المصادر تفتقر إلى عقلية حي بن يقظان وإلى فلسفة ابن الطفيل.