بابلو بيكاسو (1881 - 1973) شخصية شغلت القرن العشرين برمته، وظلت سيرته وآراؤه وأعماله التي قلبت موازين الجمال، تحتل حيزًا كبيرًا من الثقافة المعاصرة. النجاح الفريد، الذي حققه بيكاسو في حياته، يعد أمرًا لم يسبق له مثيل في تاريخ الفن، فقد كان على حد تعبير أمين متحف اللوفر، أول فنان في العالم يشهد دخول أعماله إلى متحف اللوفر. ورغم أن الحركات الفنية تجاوزته منذ سنين، إلا أنه تظل لبيكاسو أهميته على المستوى التاريخي بعد أن أسهم إسهامًا فعالًا في إرساء معالم الحداثة في الفن التشكيلي.

وعلى الرغم من كلّ ما كُتِبَ عن عبقرية بيكاسو وأعماله، وما كُتِبَ ضده أيضًا، فإن الجانب الآخر من شخصيته لم يُعرف عنه الكثير، فقد كان ذلك الوجه من حياته مخفيًا إلا عن النَّاس الذين كانوا على تماس حقيقي معه، ومنهم فرانسواز جيلو التي عاشت معه قرابة عشر سنوات.

المسار الذي اتخذته الحداثة

تحكي جيلو في هذا الكتاب (حياتي مع بيكاسو) الذي نقلته للعربية المترجمة مي مظفر قصتها وقصته معًا، بصراحة متناهية وبصيرة نافذة، فهي أول من أمعن في الكشف عن شخصية بابلو بيكاسو بوجهيها الفني والإنساني: فهو عبقري متقلب المزاج، شكاك، ملول، فصيح اللسان، شديد القلق، وهو رجل لم يتوقف عن محاربة الزمن والأعراف التقليدية، ولم يتوقف عن الإبداع.

الكتاب الذي صدر في طبعته الأولى عام 1964 في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم صدر عن دار بنغوين في بريطانيا عام 1966 يضعنا أمام الحقائق الفنية التي توصل إليها بيكاسو من خلال تجاربه، وكيف كان ينظر إلى الحداثة التي أسهم بها، والمدى الذي وصل إليه.


وبذلك يسعنا أن نفهم، فهمًا أعمق التجارب اللاحقة والمسار الذي اتخذته الحداثة فيما بعد. تجربة رائدة يضعنا الكتاب أمام حقائق أخرى عن طبيعة عمل بيكاسو وسلوكه في الفن والحياة؛ قلقه وشكه، وتساؤله الدائم عن موهبته وطاقته وتنوع عطائه، وبحثه الدائم وراء الجديد، وعلاقته الوثيقة بالمدارس الكلاسيكية على الرغم من عملية الهدم التي ألحقها بالشكل التقليدي للوحة، فقد كان بيكاسو شديد الحفاظ على جوهر ذلك البناء وعدم خروجه عنه. ومن هنا يمكننا أن نفهم أنَّ حداثة بيكاسو هي تلك التي تعد، في فن التصوير، امتدادًا لتراث أساطين الفن، وإن كانت في النحت تعد تجربة رائدة، فحداثته في هذا المجال مقطوعة الجذور عن كلّ ما هو تقليدي ومتوارث، على حد تعبير هيربرت ريد في كتابه «موجز تاريخ النحت الحديث 1989».

الفوضى واختلاط القيم

أثار الكتاب إبان صدوره حفيظة بيكاسو، لما تضمنه من تفاصيل دقيقة عن حياته وسلوكه، وولعه بالنساء، وهو الذي كان يعيش تحت هاجس الشك والتكتم في كل أموره الحياتية، على عكس سلوكه مع الآخرين والتمتع بفضحهم والسخرية منهم. ومن يقرأ الكتاب قد يظن للوهلة الأولى أنَّ فرانسواز جيلو التي تقدم سيرة ذاتية، تهدف إلى المساس بسمعة هذا الفنان، لكنه لن يظفر بذلك، بقدر ما يلمس مدى الحب الذي تحمله هذه المرأة لبيكاسو وإعجابها الكبير بطاقته الخلاقة.

يتضمن الكتاب القيم الفنية الكبيرة من خلال نقل أقوال فنان يعد بلا منازع أكبر قوة فنية مؤثرة مرّت بالعالم في القرن العشرين. ففن بيكاسو يحتوي كل الحضارات، وهو حلقة وصل بين عصور متباينة، وهو وإن كان نقطة تحول حاسمة بين الكلاسيكية والحداثة، فإنه أيضًا نقطة آفاق لا حدود لها من التمرد على المفاهيم الفنية المتوارثة.

وكان بيكاسو قد أدرك، منذ العقد الأول من القرن العشرين، خطورة هذا التوجه الذي قد يقود إلى الفوضى واختلاط القيم، وهو ما حصل فعلًا، فأراد أن يُوجد قوانين بديلة، فابتكر مع زملائه، ما عُرِفَ بالأسلوب التكعيبي، ولكنه أدرك أنَّ الطريق له مسار واحد، وهو المضي قدمًا.

أسس العبقريات

صدم بيكاسو العالم برؤيته الحديثة وأربك أبصارهم، وزعزع مفاهيمهم، هدفًا للثورة الفنية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، واتهمته بالرجعية فكرًا وأسلوبًا. لقد توفي بيكاسو في عام 1973، فماذا لو قُدِّر له أن يعيش إلى اليوم، ويرى ما آلت إليه حرية التعبير، مادةً وشكلًا ومضمونًا، ماذا سيقول؟

وترى مي مظفر أن بيكاسو (ما زال الغرب يحتفي بهذا العبقري الذي أصبح جزءًا من تاريخ العالم، وما زالت المكتبة العربية تفتقر إلى معرفة الكثير عن منجزاته، وعن عبقريته الفنية، وحبذا لو تكون هناك مساهمات أخرى تعزز من هذه المعرفة، وتكشف عن قيمة الأسس المتينة التي قامت عليها العبقريات).

فرانسواز جيلو

مواليد 1921

متخصصة بالأدب والقانون من جامعة السوربون

بدأت ترسم في سن العشرين

التقت بيكاسو عام 1943، ثم عاشت معه حتى عام 1953

تأثرت بأفكاره وآرائه ومعارفه

عرضت أعمالها في عواصم أوربية

لها أعمال في متحف الفن الحديث في باريس ومتحف الفن الحديث في نيويورك

مي مظفر

شاعرة وكاتبة عراقية

بكالوريوس الأدب الإنجليزي

صدرت لها:

سبع مجموعات شعرية

خمس مجموعات قصصية

 ترجمت ستة كتب من الإنجليزية إلى العربية، أغلبها عن العلاقة بين الأدب والفنون التشكيلية.