يتردد دائمًا أن التاريخ يعيد نفسه وإن بأشكال متعددة، وأن حركة الزمن هي حركة دائرية في تاريخ البشرية، وكذلك حركة الفكر وحراك المجتمعات، فيحدث أن يغرق مجتمع في المادية حتى إذا بلغ غايته حدثت ردة فعل للمجتمع فيكفر بالمادية ويتجه إلى الروحانية والميتافيزيقا، تبدأ بفرد ما ثم يتجمع الأفراد في جماعة ما، وتنمو جماعات تتحلق حول المجموعات فيحدث الحراك والتغيير في أي اتجاه كان يمينًا أو يسارًا، تحليقًا نحو المثالية أو غوصًا في طبقات المادة.

وهكذا الأمر في تحول المجتمعات من القومية إلى الأممية أو الوطنية، لكن بعيدًا عن هذا التنظير فإن الرؤية واضحة بالنسبة لي كناجٍ من الماتريكس الصحوي، وأعرف جيدًا كيف يبدو الحال في داخلها وخارجها، وأن كل حدث بدأ بفكرة صغيرة ثم كبرت وتحولت لكرة ثلج ضخمة تلقفت من أمامها وما أمامها، لم تبق ولم تذر، لقد كان عمرها طويلا بالنسبة لي ألقت بظلالها على كل من دخلها.

ويتجادل الناس حول أين كانت نقطة البداية، كل ما أراه هو المشهد الكبير ودلالات ظنية يصنعها مدعي الحقيقة الكاملة، لا يهمني كيف بدأت، فهي قد بدأت وانتهى الأمر، وإن لم تبدأ هنا ستبدأ هناك، ما يعنيني هو كيف نصبح أكثر وعيًا وإدراكًا لواقعنا وكيف نصبح أكثر هدوءًا وتركيزًا «ما نطير في العجة»، وكيف نبدأ نغير مفهومنا للنظام الكوني وسير الحياة وكيف نصبح أكثر قدرة على اختيار ما نتبناه وما هو في صالحنا، وكيف نعي أننا دائمًا يتم برمجتنا من قبل آخرين حسب مصالحهم، أشبه ما يكون بفيلم سينمائي قام بصناعته مجموعة من المخرجين والممثلين البارعين وفق سيناريو محكم لكنه ركيك بمقياس الحقيقة، وإن كان مقنعًا لفئة كبيرة، وتم إخراج الفيلم بنجاح نال استحسان كبار النقاد وحصل على الجائزة الكبرى صناعة الماتريكس صناعة بشرية بحتة، يتم خلقها من مجموعة أو مؤسسات لأهداف محددة، ويتم نشر أفكارها وزرعها في عقول الناس بالتدريج أو سريعًا، ولهم أساليب متعددة أشهرها الترهيب والترغيب وغالبًا تتمحور حول أهم احتياجات الإنسان كالصحة والمال والغذاء والدين والجنس والأمن والحياة والموت وما سبق ونقيضه.


في اللحظه التي تبدأ في الاستجابة للفكرة بالقبول أو المقاومة تكون قد وقعت تحت تأثيرها وأصبحت تدور في فلكها، ووقتها تكون قد تم دخولك للماتريكس بنجاح والسيطرة عليك ذهنيًا، ويصبح التحكم فيك أسهل، وأصبحت داخل اللعبة حيث يتم تمرير الأفكار لك والتفاعل والاستجابة السريعة بما يخدم مصالحها.

ولنا في كورونا أكبر العبر، حيث كانت من أقوى وأكبر أشكال الماتريكس في العصر الحالي من حيث الانتشار والتأثير وآثارها الضخمة، قد نختلف أو نتفق لكن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وانقسم الناس إلى ثلاث فئات بالمجمل الأول: المقاومون والمؤمنون بنظرية المؤامرة، والثاني: الخائفون ممن تمكن منهم الخوف والهلع، والثالث: المشاهدون للأحداث بدون تفاعل ذهني، مجرد مراقبين للأكشن، ولم يتأثروا داخليًا، بمعنى أنهم لم يدخلوا الماتريكس، مراقبون فقط، وبما أننا داخل منظومة كونية واحدة لا ننكر حقيقة أنه حتى من هم خارج الماتريكس قد يلحقهم ضرر ما بطريقة أو بأخرى، لكنه سطحي خارج، وهم مدركون أنها ليست قصتهم وليست قضيتهم ولكنهم ليسوا بمنجاة من آثارها.

كل فكرة هي برمجة يتم زرعها ويستقبلها العقل الباطن للإنسان حتى يصبح مبرمجًا عليها ويتأثر ويستجيب لها، لذلك فالخبر الجيد أنك تملك الحرية المطلقة واللامحدودة على الأفكار التي تستقبلها بالإيجاب أو الرفض بحيث تصرف النظر عنها أولا، وتصغيرها ذهنيًا ثانيًا، وعدم التفاعل معها فكريًا ومشاعريًا ثالثًا، والخبر السيء: أنه في الوقت الذي ينكشف فيه ماتريكس معين في منطقتنا كالصحوة والقاعدة وداعش والتنظيمات الشيعية المختلفة، فإنها تتحول إلى ماتريكس سري تحت الأرض، أو تتشكل بدايات ماتريكس جديد يعتبر تطورًا أو ردة فعل أو انشقاقًا من الماتريكس الحالي.