والشيخوخة المبكرة التي نتكلم عنها تختلف اختلافًا كليًا عن مرض (هاتشينسون جيلفورد)، وهو مرض وراثي نادر يتسبب في تقدم عمر الأطفال بسرعة كبيرة ابتداء من السن الثانية، ويبلغ متوسط عمر هؤلاء المرضى ثلاثة عشر عامًا، ويموتون قبل بلوغهم سن العشرين بسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية. إن شيخوخة المراهقة التي نتحدث عنها هي شيخوخة العقل الذي يتوقف عن التفكير والقيام بدوره في الحياة فيصبح غائبًا حاضرًا لأهم له إلا متابعة أخبار المشاهير، ويكون أسيرًا لمنصات التواصل لا سيما ذلك الغث الذي تعج به.
إن أكثر ما يدمر عقول الشباب هو الإدمان ورغم أن المخدرات تلعب دورًا كبيرًا في ذلك إلا أن عدم تحفيز العقل والارتقاء بمتطلباته تجعله يندفع لاستكشاف ما هو جديد، حتى ولو كان ذلك الجديد ضارًا وغير مفيد، فنجد العقل ينحدر بنفسه في عالم إدمان وسائل التواصل وتصبح قضيته الكبرى تلك الأخبار التي لا تضيف لحياته أو مستقبله شيئًا، بل ويتطور الأمر ليدخل في نقاشات وحوارات غير مفيدة، ويتم استنفاد المخزون العقلي مبكرًا فيصاب بتلك الشيخوخة المبكرة.
هناك مقولة شهيرة، وهي أنه لا بأس من الاطلاع على الأفكارالتافهة لمعرفة كيف يفكر التافهون إلا أن العمر القصير وكثرة المشاغل حاليًا تجعل من المنطق استيعاب فكرة إهدار ساعات من ذلك العمر في إشغال العقل بما يضره ولا يفيده، يقول المؤلف والمدرب الكندي من أصول هندية روبين شارما إننا نعيش في عالم فيه الكثير من الأصدقاء على الإنترنت ولكننا أهملنا التواصل الإنساني الحقيقي الذي لا يقبل بالنفاق، ويشعرنا بالراحة، ويزيح عنا الهم النفسي والخواء الفكري.
إن إشغال العقل بالأمور السلبية لا يقل خطرًا عن ذلك العقل الذي هرب من الهموم والآلام والأحزان ليرمي بنفسه في مستنقع المخدرات، وليكون مصيره الموت المبكر؛ ولهذا على كل إنسان أن يستشعر النعم العظيمة التي أعطاها الله له، وأن يحفظ نعمة العقل بصونها عما يدمرها، وأن يشغل نفسه بالأمور الإيجابية، وأن يكون عنصرًا فاعلا لنفسه وبيته ومجتمعه ووطنه، إن الشخص المتزن لا يقبل بإضاعة ذلك العمر القصير المكتوب له في حياة كئيبة مملة بعيدة عن التحديات والشغف ولذة النجاح.. وأخيرًا إن الاهتمام بالعقل يمكننا من الاستمتاع بجميع مراحل العمر، ويساعدنا في إبطاء حدوث الشيخوخة المبكرة والتقليل من آثارها.