في (2004) تأسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وترأسه يوسف القرضاوي أحد القيادات التاريخية لجماعة الإخوان، وعلى الموقع الرسمي للاتحاد ذكر أن من شروط العضوية فيه: عدم إفشاء أي معلومات تتعلق بسياسات الاتحاد! رغم أن العنوان المعلن عنه يوحي إلى القارئ بأنهم مجرد هيئة علمية، تبحث في الأحكام الشرعية، ومعلوم أن الأحكام الشرعية ليست سرية، وكتب الفقه الأصيلة في مختلف المجالات منشورة دون أي خشية من تسرب محتواها، فما بال العضوية فيه يشترطون لها عدم إفشاء سياسات الاتحاد؟ ورغم أن العنوان يفيد بأنهم هيئة علمية، فإن الاتحاد يقبل أن ينضم إليه غير العلماء، شرط أن يكون فيهم ما سماه «النشاط الملموس»!

دأبت جماعة الإخوان المسلمين خلال مسيرتها الحركية التاريخية على الحديث باسم الأمة، وكان تكتيكها الدعائي الأبرز يتمثل في إعلان منظماتها عن أسماء تخفي تبعيتها لحزب سياسي خاص وهو جماعة الإخوان، وهي الطريقة التي تكررت في مختلف الدول العربية، ففي المغرب تأسست منظمة باسم (رابطة علماء المغرب العربي) بما يوحي إلى أنه تجمع يضم علماء المغرب، إلا أن هذا غير صحيح، فيتزعم هذه الرابطة حسن بن علي الكتاني وهو ممن سجن في المغرب على خلفية التفجيرات الإرهابية في الدار البيضاء (2003)، وهو متطرف يهاجم السعودية كل حين في بيانات مشتركة مع سعد الفقيه، ويثني على أبي قتادة الفلسطيني رائد الجماعات الإرهابية، بما فيه بعد تام عن علماء المغرب أنفسهم.

وفكرة إنشاء اتحادات بمسميات عامة، مسبوقة من التيارات الاشتراكية في عملها الثوري، ففي القرن (التاسع عشر) انطلقت منظمة (الجمعية الأممية للعمال) أو ما عرف بالأممية الأولى (1864) وضمت كارل ماركس، وأعقبها الأممية الثانية (1889) ثم الثالثة (1919) في تلك الأمميات سوقت الأحزاب الاشتراكية لنفسها على أنها متكلمة باسم العمال في جميع العالم، رغم أنها تحتكر العمل السياسي لحزب معين وهو الحزب الشيوعي، وهو الذي تنازع تسميته تيارات متصارعة في ما بينها، ومن ينتصر في لعبة النفوذ هذه يسيطر على باقي الأعضاء، فكانت الأحزاب الشيوعية تتكلم دومًا باسم الأممية، بأنه لا فروق بين العمال، على أنها عملت وفق سياسة الحزب خاصة.


وأثرت الأحزاب اليسارية عمومًا في تصورات الإخوان المسلمين بل سعوا إلى محاكاتها كما في دراسات عديدة منها ما قدمه أوليفيه راوا، وأهم تلك الآثار: الحديث باسم أكبر تجمع من المسلمين، فكانت الصيغة في الاشتراكية (الأممية) ومع جماعة الإخوان (الأمة)، على أن جماعة الإخوان عملت منفردة دومًا وفق مصالحها الضيقة، كالحزب الشيوعي، ولو على حساب الجماهير التي تتكلم باسمها في كل موطن، حتى إنهم وقعوا في تناقضات داخلية مرارًا، كما كان الحال في مسيرة الأحزاب الشيوعية.

وفي الوقت الذي تكلمت فيه جماعة الإخوان باسم الشعب السوري، وتاجرت بضحايا الحرب، تحالفت مع أردوغان مهما ارتبطت السياسة التركية بمواقف تتناقض مع مصالح الشعب السوري، فلم يكن في جدول الدعاية الإخوانية الحديث عن مياه الفرات التي حبستها السدود التركية عن سوريا والعراق، ولا الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، ولا عن لواء إسكندرون الذي تسيطر عليه تركيا من عام (1939) ولم تعترف سوريا بشرعية الوجود التركي فيه، فكان الإخوان يغضون النظر عن هذا، وعن سعي أنقرة للتقارب مع الرئيس بشار الأسد، بل رضوا بأن يشكلوا قوة ناعمة لأردوغان، ومؤخرًا مع الانتخابات التركية، أصدروا بيانًا بعنوان «علماء الأمة يدعون إلى انتخاب أردوغان» وكان على رأس الموقعين خليفة القرضاوي، علي القره داغي أمين ما سمي «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين».

لقد أدمنت الجماعة هذا التكتيك، ومؤخرًا تجدد السؤال بعد أن قيل في العام الماضي مع استهداف إسرائيل لعدة عناصر من حركة الجهاد الإسلامي في غزة، عن دور حركة حماس في المواجهة، سيما وهي المسيطرة على قطاع غزة، وتتكلم باسم الشعب الفلسطيني، إذ تركت حركة الجهاد منفردة كما اعترف بذلك قائد حركة الجهاد زياد نخالة بأن الحركة الخضراء لم تشارك عسكريًا في مواجهة (2022) وهو ما حدث مؤخرًا، في حين كانت الحركة تستعمل تكتيك الجماعة، إذ ركزت على وجود (غرفة عمليات مشتركة) لتوحي إلى السامع كأنها مشاركة في المواجهة رغم أن إسرائيل لم تستهدف عناصرها ولا قادتها! هو الأسلوب نفسه بالحديث باسم الأمة، الجماهير، الشعب، رغم سياسة الحزب الضيقة.