يروي الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، أحد أهم رواة وعلماء وأئمة القرن الثالث الهجري، رحمه الله، في كتابه المشهور (الدعاء): عن عبد العزيز بن أبي رواد، قال: «كان المسلمون يدعون عند حضرة شهر رمضان: اللهم أظل شهر رمضان وحضر، فسلمه لي، وسلمني فيه، وتسلمه مني، اللهم ارزقني صيامه وقيامه، صبرا واحتسابا، وارزقني فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذني فيه من السآمة والكسل والنعاس، ووفقني فيه لليلة القدر، واجعلها خيرا لي من ألف شهر»..

استوقفتني مفردات هذا الالتجاء الرمضاني الجميل للخالق الأوحد، سبحانه وتعالى، وخصوصا وهم يطلبون منه، جل جلاله، أن يرزقهم: «الجد والاجتهاد والقوة والنشاط»، وهي أمنيات ومفردات، والوصول إليها لن يكون بترديدها فقط، بل بمزيد من التأمل هنا وهناك، في الآليات والتطبيقات والنماذج والقدوات المساعدة على ذلك، ومن ذلك مثلا، التأمل بالعقل والقلب فيما رواه الإمام مسلم عن سيدنا عروة بن الزبير رضي الله عنهما عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان صلى اللَّه عليه وسلم، إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت السيدة عائشة: يا رسول اللَّه، أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا..

معلوم من الدين بالضرورة، أنه لا أعرف منه صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل، ولا أخشى من البشر له سبحانه، وهو ومع مغفرة الله له، لم تغب عن ذهنه نعم الله سبحانه وتعالى عليه، وقابلها بعظيم الشكر، وجزيل الامتنان، وتحمل في سبيل ذلك الضرر البدني، الذي أصاب رجليه الشريفتين، وفي بعض الروايات (ساقيه)، وهذا مثال على تمام أجر من أحسن العمل والعلاقة مع ربه، الذي خاطبه بقوله، في سورة الكهف: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا * أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا}..

الجزء الآخر الذي توقفت عنده، هو المتعلق بالتعوذ بالله من «السآمة والكسل»، والذي يسميه العلماء أيضا «الفتور» وهذه المعضلة يمر بها غالب الناس، وتكاد تكون من الحالات التي لا ينفك أن يمر بها الجميع، ليس فقط في أيامنا، بل هو أمر قديم اشتكى منه من هم خير منا، وأقصد بذلك، صحابته، صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم: «يا رسول الله، إنا إِذا كنا عندك رأينا في أنفسنا ما نحب، وإذا رجعنا إلى أهلينا فخالطناهم أنكرنا أنفسنا»، أي لم نجدها على ما كانت عليه؛ فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لو تدومون على ما تكونون عندي في الخلاء لصافحتكم الملائكة حتى تظلكم بأجنحتها عيانا، ولكن ساعة وساعة، والعلاج مع الاستعاذة اللفظية، يكمن في مسائل متعددة، ومن أهمها عدم الغفلة عن الخير، أو التهاون في فعله، والتفتيش عن الذين يعرفون قيمة الوصول إلى شهر رمضان، من أصحاب القلوب اليقظة، ومجالستهم، وتدارس أحوالهم، وبذل الجهد في محاكاتهم.. اللهم وفق.