عندما يرتكب الإنسان حماقة أو جريمة أو إفسادا في الأرض، لأسباب نفسية عدوانية، أو مطامع دنيوية انتهازية، فذلك معروف من سيرة الحمقى والمجرمين، وسلفهم في ذلك من وصفهم الله بقوله «يفسدون في الأرض ولا يصلحون» و«يسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين».

لكن أن يرتكب الإنسان حماقات وجرائم ثم ينسبها للدين، بل ويلوي أعناق النصوص ويحرف دلالتها بحسب فهم الخوارج والمعتزلة، ليجعلها دليلاً على إفساده، فذلك من أعظم الجنايات على دين الله، وعلى عباد الله.

ولكن بحمد الله هناك من أهل العلم من ينفون عن دين الله هذه الجنايات كما في الحديث «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» وقد قام العلماء الراسخون قديماً وحديثاً بدمغ باطل أهل الأهواء.

ولكن الخوارج لا ينتهون، بل كما في الحديث «كلما خرج قرن قطع، حتى يخرج في عراضهم الدجال».

وخطورة الخوارج تكمن أنهم يزايدون على من هو خير منهم، ولذلك قال رئيس الخوارج ذو الخويصرة التميمي قال للنبي عليه الصلاة والسلام «اعدل فإنك لم تعدل» فإذا كان هذا قولهم لرسول الله فكيف قولهم لغيره؟ وتكمن خطورتهم أيضاً أنهم ينسبون حماقاتهم إلى الدين، ولديهم من الغلظة والفظاظة وسلاطة اللسان والإعجاب بالنفس ونقص العقل ما هو من اختصاصات الخوارج.

وانظر إلى تصرف رئيسهم ذي الخويصرة، فهو لم يقل: يا رسول الله، بل قال (يا محمد اعدل) فهم لا يعرفون التقدير، وإنزال الناس منازلهم، ثم هم يظنون أنهم أعلم من غيرهم، وأنهم يصدعون بالحق، ولا يخافون في الله لومة لائم، في حين يرون أن مخالفهم لا يعلم ولا يصدع بالحق، ولذلك قالوا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حكمت الرجال في دين الله، لا حكم إلا لله» فكما ترى يحتقرون علم الصحابة، ويرون أنفسهم أعلم من الصحابة رضي الله عنهم

واليوم نرى هذه الحماقات والمزايدات تتكرر، تارة باسم الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتارة باسم الحقوق...الخ.

حتى إني سمعت أحد الحمقى يطالب الناس بالهجرة من بلد الإسلام إلى بلد الكفر، ويقول، في بلادنا أي: السعودية، لا نستطيع إظهار الدين، وإنكار المنكرات.

وأقول:

-1 الهجرة تكون من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وهؤلاء الحمقى عكسوا الأمر، ومن جهلهم أنهم يستدلون بما هو دليل عليهم لا لهم، يقولون: الصحابة هاجروا إلى الحبشة، فنقول لهم: إن الصحابة، رضي الله عنهم، لم يهاجروا من بلد الإسلام، فقياسكم فاسد، ومنهجكم باطل، إذ لا يعرف في التاريخ أن أحداً من أصحاب القرون المفضلة ومن تبعهم بإحسان هاجر من بلد الإسلام إلى بلد الكفر، بل ولا يصح أن يسمى ذلك هجرة، وإنما وجد في التاريخ أن كعب بن مالك، رضي الله عنه، ضاقت عليه الأرض بما رحبت من هجر المسلمين له، فجاءه عرض من الكفار ليلتحق بهم، ويكون حراً، فأحرق خطابهم. ورأى أن من البلاء والخيبة أن يترك الإنسان بلد الإسلام وأهل الإسلام، ويلتحق بالكفار وبلادهم، مهما حصل له من ضيق.

2- قولهم لا نتمكن من إظهار الدين، أقول إن قصدتم بالدين، الإسلام الذي شرعه الله، فقد كذبتم، فهذه البلاد السعودية هي مأرز الإيمان ومنبع الإسلام، وهي التي نشرت التوحيد، وطبعت كلام الله، وخدمت الحرمين، ووضعت الجوائز لحفاظ القرآن الكريم، وافتتحت مراكز الدعوة وتوعية الجاليات ومكاتب الإفتاء التي تبصر الناس في أحكام دينهم، واستقبلت أكثر من 200 جنسية ليتفقهوا في الدين في الجامعة الإسلامية، وليعلموا أهلهم إذا رجعوا إليهم، ولست بصدد حصر الأعمال الخيرية لنصرة الدين من بلادنا وقيادتنا السعودية، فوالله لا أعلم بلداً على وجه الأرض اليوم يقوم بنشر دين الله، ونشر كلام الله، ونصرة العقيدة الصحيحة، بمثل ما تقوم به بلادنا.

وأنا هنا لا أدعي العصمة لبلادنا، وأن الخطأ لا يقع، كلا، الأخطاء والمنكرات وجدت حتى في زمن النبي، عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام، فقد وجد من زنى ومن سرق ومن شرب الخمر... الخ في زمن النبي، عليه الصلاة والسلام، ولكن الحدود تقام، والمحاكم الشرعية في بلادنا، ومكافحة المخدرات... وغيرها تقوم بدورها ولله الحمد.

ومن العجب أن هؤلاء الذين يدعون الغيرة على الدين يمدحون دولاً لا تقيم للتوحيد وزنا، وتسمح بالدعارة والخمور وغيرهما من الموبقات، ولم يكتفوا بمدحها، بل تركوا بلاد الإسلام وارتموا بأحضان المشركين وبلادهم، فعن أي دين يتحدثون؟!!

وأما إن أرادوا بالدين الذي لم يستطيعوا أن يظهروه في بلادنا، دين الخوارج، فهذا أمر نحمد الله عليه، وهو من فضائل بلادنا.

3 - يورد بعضهم حوادث تاريخية يرى أنها تدل على مشروعية الإنكار العلني على ولاة الأمر.

وأقول: الحجة بالأدلة الشرعية لا بالحوادث التاريخية، فلماذا يتركون كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويستدلون بحوادث تاريخية، وهل هذا إلا دليل على الإفلاس العلمي.

ثم أيضاً مع ذلك فكل الحوادث التاريخية التي استدلوا بها هي حجة عليهم لا لهم، لأن المنكرين على الولاة في تلك الحوادث خاطبوا ولاتهم مباشرة، وليس من وراء جدر، فليس في ذلك حجة للخوارج الذين يريدون الإثارة تحت شعار النصح، وما كل من زعم أنه ناصح يصدق، فإبليس قال لآدم وحواء «إني لكما لمن الناصحين» وهو كذاب أشر، والخوارج تبعوه في ذلك يقول أحدهم «إني ناصح أمين» وهو «كذاب سقيم».

4 - الحفاظ على كيان الدولة، أمر شرعي، لما تقوم به دولتنا من حفظ للأمن، وخدمة للإسلام والمسلمين، بل وحتى لو رأى الإنسان ما يكره، فإنه مطالب شرعا بعدم منازعة ولي الأمر، والدليل على ذلك من كلام النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي هو أنصح وأشجع وأفصح وأعلم وأتقى الناس، ففي صحيح البخاري قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية».