ينظم مهنة المحاماة قانون خاص يحتوي العديد من المتطلبات والشروط التي نص عليها القانون بشكل واضح وصريح على وجوب توافرها في من يزاولها. وهنا نُسلط الضوء على إشكالات موضوعية لنقاط تخالف طبيعة العمل، وتعاني منها المهنة، لعلنا نوجد حلولًا ترتقي بالمهنة وتضعها في مكانتها الصحيحة.

بيّنت المادة الثالثة من نظام المحاماة ستة شروط واجب توافرها في من يرغب في الحصول على ترخيص مزاولة المهنة، وحُددت هذه الشروط على سبيل الحصر بالتالي: (أن يكون سعودي الجنسية، حاصلًا على شهادة كلية الشريعة أو البكالوريوس في تخصص الأنظمة أو دبلوم من معهد الإدارة في تخصص القانون، وأن تتوافر لديه خبرة في طبيعة العمل لمدة لا تقل عن سنتين، وأن يكون حسن السيرة والسلوك، وغير محجور عليه، ألا يكون قد حُكم عليه بحد أو بعقوبة في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، وأن يكون مقيمًا في المملكة).

ولكون المهنة تعتمد على الممارسة الفعلية للأعمال المناطة بها، وبالنظر لما تضمنته المادة الثالثة الفقرة (ج) من نظام المحاماة، والتي أوجبت توافر الخبرة في طبيعة العمل لمدة سنتين، فإن طبيعة العمل هنا يجب أن يُنظر لها بذاتها وكمهنة خاصة تتطلب الممارسة الخاصة، وليس لطبيعة أي مهنة أخرى أو عمل آخر، والوجوب في هذا النص قاعدة آمرة من غير المقبول مخالفتها!


وهنا نتساءل عن طبيعة العمل لبعض الأعمال التي ذكرت الفقرة الخامسة للمادة الثالثة من اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة أن مزاولتها تُعد خبرة في طبيعة العمل!

ومنها الإفتاء داخل المملكة بصفة رسمية، وأعمال كتابات العدل العامة، أو كتابات العدل الأولى بالمملكة لكتاب العدل. والكتابة في ضبط القضايا الحقوقية، أو الجنائية، أو الإنهائية بالمحاكم الشرعية، أو ديوان المظالم بالمملكة بوظيفة لا تقل عن مسمى رئيس كتاب ضبط، وتدريس مواد الفقه، أو أصوله في الجامعات أو الدراسات العُليا في المعاهد أو المؤسسات التعليمية الأخرى في المملكة، فكل هذه الأعمال لم ولن تُحقق طبيعة العمل الخاصة بمهنة المحاماة، لذلك من اللازم بعد ترك تلك الأعمال أن يخضع الراغبون بمزاولة مهنة المحاماة للتدريب المهني لمدة سنتين تحقيقًا لغرض طبيعة العمل وفقًا للنظام.

ولأنه من غير المتصور أن يكون العمل بغير ممارسة، وأداء واجبات والتزامات! فإن ما تضمّنته بنود الفقرة (ج) من المادة المشار إليها والتي أعفت بعض الفئات المستثناة، كالحاصل على الدكتوراة والماجستير ودبلوم معهد الإدارة العامة، من شرط الخبرة في طبيعة العمل، والتي حُدد لها مدة لا تقل عن سنتين، وألزمت فئات أخرى بشرط الخبرة وبكامل المدة، هو استثناء فيه خلل كونه تم وفقًا للمؤهلات العلمية، وليس وفقًا لطبيعة العمل!

ويظهر العيب هنا عند المقارنة، فمثلا نجد أن مدة التدريب لمن حصل على شهادة البكالوريوس في تخصص الأنظمة، وهو دارسٌ للتخصص لمدة أربع سنوات، هي سنتان تدريب كاملتان، أما الحاصل على دبلوم معهد الإدارة العامة في تخصص القانون، ورغم أن مدة دراسته المعتمدة هي ثلاث سنوات، نجد أن مدة التدريب هي ستة أشهر فقط!، وهذا التمييز بين المؤهلات غير منطقي، ولا نعلم على ماذا بنُي!

فالخطة الدراسية في معهد الإدارة العامة في تخصص القانون لا تزيد عن الخطة الدراسية لأي كلية قانون أو أنظمة أو حقوق في أي جامعة من جامعات المملكة، كما أن الحصول على الدبلوم المشار إليه بعد الشهادة الجامعية لا يُعتبر ميزة كون الشهادة في غير تخصص القانون.

ومن المفارقات أيضًا أن من حصل على مؤهل الدكتوراة في التخصص يُستثنى من المدد المنصوص عليها بناءً على المؤهل العلمي، وليس على طبيعة العمل التي أمر بها القانون، فكيف لمن حصل على الدكتوراة في التخصص، ولم تكن لديه خبرات في طبيعة العمل يتم منحه ترخيص مزاولة مهنة المحاماة؟!

كل تلك الاختلافات للمؤهلات ولمدد التدريب المطلوبة توضح أن لا أساس لها فيما بُنيت عليه!

إن تلك الشروط والمتطلبات المذكورة في الفقرة الخامسة للمادة الثالثة من اللائحة التنفيذية والتي تُعارض المادة الثالثة فقرة (ج) من النظام، كان لها الأثر البالغ والمؤدّي إلى ضعف ممارسة المهنة ومن ثم ضعف مخرجاتها، مما سبب الضرر الجسيم على القطاع بأكمله. وللنهوض بمهنة المحاماة والقطاع القانوني بشكل عام يلزم تعديل نظام المحاماة ليكون مبنيًا على الأسس السليمة في الممارسة القانونية، وكذلك اقتصار المهنة على المؤهلين علميًا في تخصص القانون، وهذا ما سيجعل المهنة والقطاع متواكبين مع جميع المتغيرات المحلية والدولية، وذلك تجسيدًا لرؤية المملكة 2030 ولتكون سمعة السعودية على الصعيد القانوني متحققة بأنظمتها وتطلّعها للاستثمار والاقتصاد والحفاظ على الحياة الاجتماعية وجودتها وإرساء حقوق الأفراد.