يقول بعض الكتاب: إن البعد الديني في تأسيس الدولة السعودية لا وجود له ولم يكن سببًا في أهداف التأسيس لأن المجتمع الذي انطلقت من وسطه الدولة كان متدينًا ولم تسجل عليه أي مظاهر أو ممارسات تخالف الدين، ويقول بعضهم: شرعية الدولة قامت على دواعٍ دنيوية كبرى.

وأقول:

1 - لا ريب أن الدولة السعودية قامت بحفظ الأمن والاستقرار، ولكن أيضًا قامت بما قام به الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك، وهي - أي الدعوة إلى التوحيد - ميزة وفضيلة ومفخرة لولاتنا ودولتنا السعودية أدام الله عزها، فكيف صارت هذه الإيجابية منفية عند بعض الكتاب؟

فالقرآن كله في التوحيد كما يقول ابن القيم، فهو أي: القرآن، إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله فهو التوحيد العلمي الخبري (أي توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات)، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي (أي: توحيد الألوهية) وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته وأمره ونهيه فهو حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهم جزاء من خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه.

إنه لشرف عظيم لدولتنا السعودية في كل تاريخها أن دعت إلى ما دعا إليه الرسل عليهم السلام وهو الدعوة إلى التوحيد، والتحذير من ضده، ولذلك جاء في النظام الأساسي للحكم ما نصه ( تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله) ويا لها من عزة ومفخرة لدولتنا السعودية، فما بال طائفة من الكتاب يجردون تأسيس دولتنا من العناية بهذا البعد الديني، الذي خلق الله الإنس والجن من أجله؟

2 - القول إن المجتمع الذي انطلقت من وسطه الدولة السعودية الأولى لم تسجل عليه أي مظاهر أو ممارسات تخالف الدين.

أقول: هذا قول يكذبه أئمة آل سعود في الدولة السعودية الأولى، ورسائلهم في ذلك موجودة ومطبوعة، ذكروا فيها أن بعض الناس يمارسون أمورًا شركية، وبينوا أن الواجب على الجميع عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، وذكروا الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، فكيف يجرؤا كاتب لم يعاصرهم ولم يكن آنذاك شيئا مذكورًا، ويقول: ليس هناك أي مظاهر وممارسات تخالف الدين آنذاك؟!

ثم هو قول يكذبه القضاة آنذاك ومنهم قاضي الدرعية في زمن الدولة السعودية الأولى ابن عيسى فقد قال: (فالله الله عباد الله: لا تغتروا بمن لا يعرف شهادة أن لا إله إلا الله، وتلطخ بالشرك وهو لا يشعر، فقد مضى أكثر حياتي ولم أعرف من أنواعه ما أعرفه اليوم -فلله الحمد على ما علمنا من دينه).

ويكذبه أيضًا الرسائل الكثيرة التي كتبها الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى بعض من تلطخ بالأعمال الشركية وهو لا يشعر، يحاورهم ويكشف شبهاتهم، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، كما في كتابه (الرسائل الشخصية).

ويكذبه أيضًا العلماء من العالم الإسلامي كالسيد الشريف الحنفي المتوفى عام 1174هـ والنعمي اليمني، والألوسي والسفاريني والصنعاني وغيرهم كثير ممن عاصر ذلك الزمن.

كل هؤلاء يُكذِّبون تلك الدعوى الكاذبة الخاطئة والتي تقول بعدم وجود أي مظاهر آنذاك تخالف الدين، وهذا الأمر أعني الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك، لا يعني اقتصار دور الدولة بذلك، بل قامت بحفظ الأمن والاستقرار، وإيجاد العلاقات التي في صالح الدولة، وليس هناك تعارض بين حفظ الدين والدنيا.

لاسيما أن الله تعالى أخبرنا - وخبره صدق - أن التوحيد، سبب للأمن، وأن جمع الكلمة يكون بكلمة التوحيد، والأدلة من كتاب الله على ذلك كثيرة ومعلومة، ولهذا كان علمنا السعودي خفاقًا بكلمة التوحيد (لاإله إلا الله محمد رسول الله).

3 - القول إن تأسيس الدولة السعودية الأولى كان لدواعٍ دنيوية، أقول: دولتنا ولله الحمد دين ودنيا، فالدين هو الذي يأمر بكل تقدم وعز وتنمية شاملة وأمن وتطور، وطاعة لولي الأمر، ونهي عن منازعته، فالدولة السعودية أسست بنيانها على تقوى من الله ورضوان ودعوة إلى توحيده لا شريك له، وهذا شرف، فلماذا ينفيه بعض الكتاب، وهو خير ممن يؤسس بنيانه على غير ذلك، قال تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَار).

٤- وجود العلماء والفقهاء وغيرهم من الذين على التوحيد الخالص لله رب العالمين، لا يعني عدم وجود مخالفات عقدية، فالإنسان أحيانًا يرى مخالفات لا تصل إلى الشرك ولا يستطيع تغييرها، والدولة هي التي تستطيع، وقد وفقها الله لذلك، فصارت بلادنا بحمد الله ثم بفضل دولتنا السعودية تنعم بصفاء العقيدة، فلا وثن يعبد، ولا نذور لأهل القبور، وإنما خدمة للإسلام والمسلمين، وخدمة للحرمين الشريفين، وطباعة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.