يقول أحد أهم المدافعين عن حقوق الحيوان المحاضر «ريتشارد دوكنز»: «إن ما يفصل في أحقية الحيوان في الرحمة والحماية هو أنه كائن يشعر كما الإنسان تماما».

من المؤسف جدا أن أورد هذه المقدمة حتى أدخل في صلب الموضوع، وهو عن حادثة ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا، قبل أيام نشرت مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية رسمًا كاريكاتيريًّا حمل عنوانًا ساخرًا من الزلزال الذي أودى بحياة آلاف الأتراك، وعلقت عليه: «زلزال تركيا.. لسنا حتى بحاجة لإرسال دبابة».

وليس غريباً أن نشاهد مثل هذه الرسوم، فهي الصحيفة ذاتها التي تخرج علينا الفترة تلو الأخرى وتعيد علينا نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم! تشف واستفزاز وفرح في مصائب البشر ومحاولة إضفاء لمسة دينية تعزي ما حصل!

إنني أتساءل: كيف يمكن لصحيفة في القرن الواحد والعشرين ولدت من رحم دولة لها باع طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان بحجم فرنسا أن تبتهج لمقتل ضحايا، منهم أطفال ونساء ورجال لا حول لهم ولا قوة؟

كيف لا زلنا نحن البشر، وإلى هذا العصر، نرى في العنف حلا؟ إنها عنصرية مقيتة، وكراهية فجة، تغلفنا من قمة رؤوسنا وحتى أخمص أقدامنا! أي نوع من المتناقضات نعيشها؟!

بشر نصفه الأول يعيش الإنسانية فيبكي على من يشاركه في الدين والمعتقد والفكر ويترحم عليهم، ونصفه الآخر وحشي يهلل فرحا لموت الأطفال والنساء المخالفين!

نعم ما ظهر من هذه الصحيفة الفرنسية من رسوم وكلمات تُظهر أبشع وجه للبشرية، تسخر من ضحايا الزلزال وتتشفى في المدفونين تحت الأنقاض وتحتفل بالموت الذي لم يعد يحتاج «لإرسال الدبابات» ، وكأنها تفتخر بشجاعتها في تصعيد خطاب الكراهية التي لا دين لها ولا جنسية!

وهنا أقول شكرا لحرية الرأي والتعبير التي أظهرت لنا الإعلام القذر بأبشع صوره، شكرا لحرية الرأي والتعبير التي لولاها لما عرفنا العنصرية المقيتة التي تعيشها بعض المؤسسات الإعلامية الرخيصة.

وفي المقابل أقول شكرا لحرية الرأي والتعبير التي أظهرت الوجه النقي للبشرية، ومد يد العون للضحايا من دول وشعوب ومنظمات غير حكومية، في صور بانورامية تحكي جمال الإنسانية. السعودية من النماذج الرائعة، فقد أكد مركز الملك سلمان للإغاثة أن هناك حاجة للاستمرار في مساعدة متضرري زلزال تركيا وسوريا لأسابيع وربما لأشهر، بسبب حجم المأساة الكبير. وقد أطلق المركز الحملة الشعبية لجمع التبرعات عبر منصة «ساهم» لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا.

لنساعد، من منطلق إنساني، من منطلق عاطفي، من منطلق غريزي، من منطلق عقلاني، من منطلق ديني، من منطلق أخلاقي،. المهم أن نتصل ونتواصل بإنسانيتنا التي تلتقي بإنسانية الآخرين، ونحاول بمقدار ما نستطيع رأب الصدع جراء الزلزال الكارثي، وما خلفه لنا من غباوة وطيش وعنصرية ممقوتة من بعض البشر على هذه الأرض.