هل أنت منارة الرحمة، دائمًا ما تمد يد العون للمحتاجين، بقلب مليء بالتعاطف والصدق؟

لسوء الحظ، حتى النفوس الأكثر عطاءً، يمكن أن تقع فريسة لأولئك الذين يستغلون لطفنا وكرمنا، فمن أفراد الأسرة إلى الزملاء والأصدقاء، نجد أن هناك من يتوقع منا المزيد دون تقديم كلمة «شكرًا» ! فنصل إلى مرحلة الإحباط لكثرة المرات التي اعتبر ما نقدمه عن طيب خاطر أمرًا مفروغًا منه، إنها خبرات لا بد أننا مررنا بها جميعًا.

في تفاعلاتنا اليومية مع الآخرين، هناك مواقف قد نتخلى فيها عن حقوقنا بغير قصد، دون أن ندرك ذلك، يحدث هذا غالبًا عندما نتصرف بطريقة معينة بشكل متكرر، وبالتالي يؤمن الآخرون أن هذا السلوك حق مكتسب أو امتياز لهم متوقع منا دون حتى السؤال لماذا أو التردد في التلبية!

أحد الأمثلة - الشائعة - على ذلك، إقراض المال لصديق، فإذا اقرضنا شخصا ما، المال أكثر من مرة، فقد يعتقد أن من حقه تلقي الأموال منا متى ما احتاجها! وهذا يمكن أن يشكل ضغطًا على الصداقة، خاصة إذا لم نعد في وضع يسمح لنا بإقراضه. في مثل هذه الحالات، قد نشعر بالذنب لعدم قدرتنا على المساعدة، ولكن يجب أن نتذكر أيضًا أنه يحق لنا أن نقول «لا» خاصة إذا لم يكن بمقدورنا تحمل التكاليف.

يمكن أن يكون لإقراض الأصدقاء أيضًا تأثير سلبي علينا، فإذا فعلنا ذلك دون شروط واضحة، كجدولة السداد، قد نجد أنفسنا في موقف صعب إذا كان صديقنا غير قادر على السداد، وهذا يمكن أن يؤدي إلى احتكاك في العلاقة، ويمكن أن يؤدي لفقدان الثقة، ولكي نتجنب ذلك، من المهم أن يكون لدينا خط اتصال واضح ومفتوح مع الآخر حول شروط القرض، وأن نكون صادقين بشفافية عن وضعنا المالي إن احتاج الأمر.

مثال آخر من الوظيفة، إذا عملنا لساعات إضافية خارج جدولنا المعتاد، فقد يعتقد المدير أو المشرف أن من واجبنا فعل ذلك كلما طلب منا ! وهذا الأمر بدوره يمكن أن يؤدي لإرهاق وتذمر، خاصة إذا لم نعوض بشكل عادل عن جهودنا الإضافية، ولنتذكر أنه في مثل هذه الحالات لدينا أيضًا الحق في وضع حدود،وأن نقول «لا» إذا شعرنا أن عبء العمل قد تعدى الحد المعقول.

أثبتت الدراسات أن العمل الإضافي يمكن أن يكون له تأثير سلبي في الصحة العقلية والجسدية للموظف، ومن أحد أسباب ما يسمى «الاحتراق الوظيفي»، حيث يمكن أن يؤدي ذلك للشعور بالتوتر، ما قد يؤثر في أداء العمل والعلاقات مع الآخرين، والخسارة لن تكون على الموظف وحده بل على الشركة أو المؤسسة، ولتجنب ذلك، من المهم التواصل مع المسؤول أو حتى صاحب العمل، فوضع الأولوية ضمن الأهداف العامة للرعاية الذاتية والتطوير المهني للموظف وتخصيص أوقات للأنشطة الترفيهية التي تسهم في بهجة النفوس، تساعد على الاسترخاء ومضاعفة النشاط، وهذا ما يؤدي عادة إلى ارتفاع معدل الأداء والجودة وبالتالي الأرباح.

هناك أمثلة أخرى من داخل العلاقة الزوجية، فإن واصلنا تقديم التضحيات، مثل التخلي عن وقتنا الشخصي أو إنفاق المال في مجالات غير أساسية للأسرة، فقد يعتقد الآخر أن هذا السلوك متوقع ومطلوب!

هذا يمكن أن يؤدي إلى إثارة مشاعر الاستياء، ويمكن أن يسبب توترًا في العلاقة. ولتجنب ذلك، من المهم وضع حدود واضحة والتواصل بصدق مع الشريك حول احتياجاتنا وتوقعاتنا داخل حدود ميزانية الأسرة، فمن المهم أن يدرك الآخر أننا لسنا مسؤولين عن تلبية جميع الاحتياجات الثانوية، وأنه يجب علينا تحمل مسؤولية إسعادهم ورفاهيتهم!

السعادة تأتي أولًا من الداخل، من الرضا والامتنان، وليس المطلوب الضغط على الشريك لأجل أن نسعد نحن!

ثم يجب تذكر أنه لدينا الحق في تحديد أولوياتنا وقول «لا» إذا شعرنا أن شريكنا يستغلنا لتلبية رغباته كأمر مسلم به!

في المواقف الاجتماعية، قد نتخلى عن حقوقنا بالسماح للآخرين بإملاء شروط التواصل والتفاعل، إذا سمحنا باستمرار الآخرين بالسيطرة على طرق التواصل أو اتخاذ قرارات نيابة عنا، قد يعتقدون أن هذا السلوك مقبول لدينا، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الشعور بالإحباط وفقدان السيطرة على التواصل والنتائج المتوقعة منه! ولتجنب ذلك، من المهم أن نتمسك بحقوقنا ونعرضها بوضوح للآخر.

قد يحدث أن نسمح للآخرين بفرض معتقداتهم وقيمهم علينا، إذا لم نتحد الآخرين عندما يعبرون عن آرائهم أو يتخذون قرارات تتعارض مع معتقداتنا وقيمنا، فقد يعتقدون أن هذا السلوك مقبول! وهذا الأمر سيؤدي إلى سوء الفهم وإلى الشعور بخيبة الأمل خاصة عندما يدرك الفرد بأنه لم يعط فرصة كي يعترض أو يقدم وجهة نظره!

ولتجنب ذلك، من المهم أن نكون واضحين وأن ننقل معتقداتنا وقيمنا بطريقة راقية، محترمة وحازمة، ليعرف الآخر على ماذا نقف من مبادئ وأخلاقيات، وما هي الطرق المقبولة لدينا للوصول للأهداف المرجوة.

الخلاصة هي أن نكون على دراية بالطرق التي قد نتخلى بها عن حقوقنا في تعاملاتنا مع الآخرين، سواء تعلق الأمر بإقراض المال، أو العمل لوقت إضافي في وظيفتنا، أو السماح للآخرين بإملاء شروط التواصل والتفاعل، ويجب أن نتذكر أن لدينا الحق بوضع الحدود وإعطاء الأولوية لاحتياجاتنا الخاصة، نكون واضحين وحازمين في اتصالاتنا، لنتمكن من تجنب المواقف الحرجة والمواجهات السلبية، فمن خلال الصدق والانفتاح بشأن احتياجاتنا وتوقعاتنا، يمكننا الحفاظ على علاقات إيجابية، صحية ومرضية مع الآخرين.