هناك أناس لا يعيشون إلا في الصراعات، والمناكفات، وتسويد المشهد، وإلقاء فتيل القال والقيل هنا وهناك، يتجاهلون الإنجازات والخيرات، ويبالغون بذكر الأخطاء بل ويختلقونها، يُهوِّلون من شأن أهل الفساد في أعين الناس وإن كانوا أفراداً معدودين، ولا يذكرون أهل الخير وإن كانوا بالملايين، سيماهم القلق والاضطراب والتوجس وسوء الظن، يرون أن الناس هلكوا، والواقع أنهم هم الهالكون.

هذه النفسية المتشائمة القلقة، لها تأثير سلبي في كل السمّاعين لها.

وقد حاولت أن أعرف سبب هذا التأزم والنفسية المضطربة عند بعض الناس، فلم أستطع إلا عن طريق الملاحظة وهي إحدى أدوات القياس والتقييم.

فتوصلت إلى أن من الأسباب:

1- الإفلاس العلمي، فليس عند من هذا شأنه ما يجعله حاضرا في المشهد، ولذلك يلجأ إلى خلق الصراعات، وإذكائها ليكون حاضراً من خلالها، لأنها لو انتهت لانتهى بانتهائها، تماماً كما هو الشأن في بعض فصائل المنظمات الذين لا يريدون حلاً لقضيتهم، لأنهم يعلمون أن حلها إنهاء لهم.

2 - الاحتراق في الغرور: فهو يظن أن الناس هالكون، وأنه هو المخلِّص.

3 - سوء المعتقد والمنهج: فهو بتسويده المشهد، وإشاعته للمنكرات، وكتمه الحسنات والإيجابيات والإنجازات، يريد أن يملأ القلوب حقدا وغلا على ولاة الأمور، وهذا هو منهج الخوارج.

وأرى أن المنهج الصحيح: هو المنهج النبوي الذي يمنع من التشاؤم، وقد قال، صلى الله عليه وسلم، «من قال هلك الناس فهو أهلكهم»، وهذا تحذير نبوي لأصحاب النظرة السوداوية الذين يحكمون على المجتمع بالهلاك والفساد، وأرى أن المتعين على المسلم: أن يكون مستقيما متزنا، فلا إفراط ولا تفريط، فالخير يُشجَع، والمنكر يُعالَج بالحكمة والموعظة الحسنة، دون صخب وضجيج وإثارة، وأهل الباطل يُرَد عليهم بعلم وعدل، لا بجهل وظلم.

والمواطن هو رجل الأمن الأول، يده بيد دولته، يلزم جماعة المسلمين وإمامهم.

والسكينة واجتماع الكلمة وتعزيز اللحمة الوطنية أمرٌ واجب، وإثارة الفتن والانقسام وتفتيت اللحمة الوطنية أمر محرم.

والسكينة لا تعني السكوت عمن يخرق السفينة، لأن السكوت عن ذلك خيانة، وإنما يُعالج ذلك بالطرق الشرعية والنظامية.

وأما إلقاء التهم جزافاً، واتباع الأهواء، فذلك من سبيل الشيطان ونزغاته.

وهذه البلاد المملكة العربية السعودية لا يُصلحها- كما قال الملك عبدالعزيز رحمه الله- إلا السكون.

ومن المناسب أن أنقل كلمة الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في هذا الشأن لأهميتها ومناسبتها قال، رحمه الله: «إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون، لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة، وإني أحذر الجميع من نزغات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار، فإني لا أراعي في هذا الباب صغيرا ولا كبيرا، وليحذر كل إنسان أن تكون العبرة فيه لغيره».