استقبلت طالبان بداية السنة الجديدة، بالإعلان عن سيارة قيل إن مهندسًا أفغانيًا جمعها وصنعها، أعلن المهندس المذكور أنَّ العمال الذين عملوا معه فيها لم يتقاضوا أي راتب! احتفى قادة طالبان بهذا، وكأنه إنجاز لهم، رغم أن المهندس ذكر أنَّ مشروعه لم يدعمه أحد، يأتي هذا في الوقت الذي ضجّت فيه وسائل الإعلام بموقف طالبان من المرأة، وتعنتهم في مسألة تعليمها، بعد الوعود السابقة التي قطعوها بأنّهم لن يمنعوا النساء من التعليم.

بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، واستلام طالبان مجددًا الحكم في أفغانستان، بدأت أصوات العديد من المتعاطفين معهم بالزعم بأنهم تغيّروا وأنَّ الأيام التي مرّت عليهم كانت كفيلة بإنضاجهم، وتطوير أفكارهم، فطالبان الأمس غير اليوم، ولا يحق للمنتقدين أن يفتحوا قضايا الأمس، تلك التي تسبق سقوط حكمهم في أفغانستان عام 2001، لكن ما أن انفردت بالحكم في أفغانستان حتى بدأت أخبار الممارسات القديمة تعود من جديد، سواء في موضوع الإعدامات الميدانية دون محاكمات، أو موقفهم من المرأة وتعليمها، مرورًا بالعديد من الملفات الساخنة.

وحرصت الحركة على التواصل مع الجمهور العربي، سواء في القنوات الإخبارية، أو في وسائل التواصل، فكان المتحدثون باسمهم يشرحون مواقفها، ولا ينسون نسبة ذلك إلى الإسلام، فلم تعدم من وجود العديد من المتعاطفين معها، وغالبًا ما كان المتعاطفون من شريحة لم تقرأ تقريرًا واحدًا عن الحال في أفغانستان، أو بكل من الذين يكذّبون بأي تقارير تتحدث عن الوضع الحالي في أفغانستان، نتحدث عن تقرير للجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة يقول إن نحو ثلاثة آلاف امرأة أفغانية تنتحر سنويًا، وأعلن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) في تقريره أن %85 من الأفيون في جميع أنحاء العالم لسنة 2020 أنتج في أفغانستان.


تقارير أخرى تتحدث عن مليون مدمن داخل الحدود الأفغانية وأخرى عن أعداد تصل إلى 5 ملايين شاملة لللاجئين في باكستان، الفقر المدقع، والبطالة المتزايدة، مع انحسار الدعم الذي كان يقدّم إلى مؤسسات الرعاية والتنمية، كما تعاني البلاد من تدخلات حادّة في شأنها الداخلي، فالصين معنية بالتدخل لأن لها حدودًا مشتركة معها، وتريد ألا يحدث أي تدخل في قضية الإيجور، وهي تعلم أن الولايات المتحدة تسعى لإثارتها كل حين، باكستان معنية باستقرارها الداخلي حيث تمتد قبائل البشتون الذين تتشكل طالبان منهم داخل أراضيها، كما تسعى إيران للتأثير عبر الأقلية الشيعية في أفغانستان، ومحاولة إيجاد امتداد لها في البلاد.

فضلًا عن التركة القديمة التي ربطت اسم الحركة بالإرهاب، بخروج البلاد من حروب متتالية من السوفييت حتى الحرب الأهلية، إلى الحرب على الإرهاب، كل هذا دمر البنية التحتية، لتتحول إلى نموذج للبلد المكلوم، ولا يزال المسؤولون في الحركة، والمتحدّثون باسمها منفصلين تمامًا عن المشاكل الحقيقية في بلادهم، ويستبدلون البحث في حلول جادة لها بما يذيعونه من موقفهم المتعنّت بمنع الفتيات من الدراسة، ويواصلون التجمهر حول مهندس أفغاني لم يدعمه أحد منهم، ليلتقطوا لأنفسهم صورًا مع سيارته، كأنها خرجت بفضل دعم طالبان للإبداع التقني والفني والمنافسة على التقدّم العلمي!

الواقع أنَّ كل الدلائل تقول إنَّ حركة طالبان، لم تتقدّم قيد أنملة في تصورها السياسي، ولا تزال تتخيل أنه يمكنها أن تحظى بالأموال والتعاطف والدعم كلما تشددتْ في خطابها، دون أي تحديث لما يدور في العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر، عقلية لا يشغل فيها حيزًا مشكلات التنمية، والبطالة، والمدمنون والانتحار، زد عليهم الجرحى والمصابين بتوالي الحروب، وتدمير التعليم والبنية التحتية كل هذا كأنه لا يعنيهم أبدًا!

حركة طالبان نموذج، ولكنه نموذج يثير الشفقة والاشمئزاز في الحين نفسه، عن بلاد تسلمها من لا يرى نفسه جزءًا من عالم اليوم، ولا يرى المنافسة على التقدّم والازدهار، بل بالقتال على إدارة البلاد بطريقة بدائية لم ترقَ لشيء من ازدهار ممالك القرون الوسطى، يرون أنهم بتوزيع الضحكات البلهاء مع قطع الكلاشنكوف المهترئة، والتسويغات السخيفة التي يقولها المتحدّثون باسمهم على القنوات، سيغيرون نظرة العالم إليهم، ويحققون ازدهارًا، إنهم نموذج، ولكنه نموذج لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع حين يتولّى أمثالهم الحكم والإدارة في أي منطقة أخرى، إنهم نموذج تحذيري، بممنوع الاقتراب.