في أكتوبر 2022 عقد في إسطنبول «معرض إسطنبول للكتاب العربي» للمرة السابعة، وهو أكبر معرض للكتاب العربي خارج العالم العربي، وفي غمرة تنوع الزوار، واختلاف مشاربهم، كان كبار الشخصيات الإخوانية قد اجتمعوا بحجة القراءة من مختلف المناطق، ليلتقوا مع المقيمين في تركيا، هذه الطريقة شكلت غطاء أمثل لهم، خلال فعاليات المعرض وخارجه.

وفي غمرة العاطفة لم يقدر رواد الأكاديميات على الامتناع عن التقاط صور قادتهم، فتتابعوا في نشر صور أحمد السيد ومن حوله الشباب، تلك الصور لم يظهر فيها وحده، فظهر في اجتماع مع تونسي وهو سامي عامري، الذي نشر 7 مايو 2019: «بقيت براءة سيد [قطب] من الاعتذار عن سلوك طريق الولاء للدين بلا مساومة، تصدح في الأرجاء كل حين»، وهو الذي يأنف من تسمية السعودية فيطلق عليها: بلاد الحرمين! لكنه يسميها متى هاجمها، كما فعل في مقال بتاريخ 12 ديسمبر 2018 تحت عنوان: «بلاد الخليج، بين مطرقة الإلحاد والليبرالية»! وكان مع أحمد السيد وعامري آخر سعودي: عبدالله العجيري، يرأس مركز تكوين، وهو الذي نشر كتب أحمد السيد: بوصلة المصلح، البناء العقدي، التفكير الناقد، إلى الجيل الصاعد، وغيرها كلها صدرت عن مركزه، وقد طبع لسامي عامري كذلك.

علاقة العجيري بشخصيات محسوبة على الإخوان ليست سرًا، ففي 2015 نشر محمد العوضي أحد الشخصيات الإخوانية الشهيرة عبر حسابه صورته مع العجيري، وقام بالدعاية لمركزه، فكتب: «نبارك لمركز تكوين هذه الإصدرات التي تجمع بين العمق والتأصيل والواقعية»، وفي 2016، نشر مركز تكوين صورة للعجيري معه، وقد أهداه العجيري كتابه «شموع النهار»، هذا ما يدفع للبحث أكثر فقد يكون خلف تلك الصور ما هو أكبر منها، توجهت رحلة البحث إلى طرح العجيري نفسه.


طرق العجيري في باب الإسلاميات موضوع الخوارج، في كتاب مستقل بعنوان «المنشقون، تنقيب عن مفهوم الخوارج بين النص والتاريخ» وقد طبع في مركزه تكوين، على أن الكتاب لم يدر بين التاريخ والنص كما جاء في العنوان، بل ففي أوائل صفحاته تحدث عن «ظاهرة العنف، والجماعات المسلحة» بهذه الصيغة الحيادية تحدث عن الجماعات الإرهابية، دون التفات منه إلى فقدانها إلى شرعية الوجود التنظيمي المسلح من أساسه، لم يلحظ عليها سوى «تجاوزات خطيرة في بابي التكفير والقتال»، مجرد «تجاوزات»!

كتب: «زاد من حالة الالتباس والارتباك في المشهد، تلك الدعاوى التي تلقى أحيانًا في المشهد، أن ضابط الخوارج هو في الخروج على السلطة السياسية»، وهو ما لا يرتضيه، ولذا جعله ادعاء يزيد من حالة الالتباس، وتلخصت خطته لرفض هذا بالتسليم بوجود تلك «التجاوزات» في الخوارج إلا أنه يؤكد أنه قد «كان لبعض معارضيهم من النظم السياسية وللأسف الشديد مواقف شبيهة في التجاوز والاعتداء والظلم»، وأن «من السوءات التي يمكن أن تحدثها السياسات الجائرة هنا: استغلال هذا الاسم ووجود هذه الطائفة، لتصفية الحسابات مع الخصوم»، ليتدرج بأوراقه حتى يصل إلى أن مفهوم الخوارج أوسع من أن يكون فرقة، «فمفهوم الخوارج الذي نريده هنا ليس هذا، وإنما المراد مصطلح يمكن استعماله للتعبير عن مورد الذم الشرعي في هذا الباب» إرادته تلخصت بأن يقول إنه يمكن أن يعمم هذا المصطلح ليصف به حتى من هو في الحكم وليس فقط من يخرج عليه، ويضرب مثالًا على هذا بالحجاج بن يوسف الثقفي، فيقر وصفه بالخارجي!

وينهي بحثه بقوله: «مما تحرر من مفهوم الخوارج خطورة ظاهرة، وعدم اتصالها بطائفة مذهبية معينة تنتسب إلى الإسلام، بل هي معصية وذنب وبدعة كبيرة، يمكن أن يتلبس بها الكل»، هذه نتيجة ما سوده من أوراق: أن الخوارج ظاهرة مشتركة يمكن أن تقع فيها المجموعات الإرهابية التي يسميها المسلحة، أو الحكومة التي تحاول ردعهم! فهل هذا بحث (التاريخ) و(النص) في موضوع الخوارج أم مرافعة طويلة في الدفاع عنهم؟

أدركتُ وأنا أقرأ هذه السطور أي شيء يطالعه الشباب وهم ينضمون إلى تلك الأكاديميات وخلفها مشروع تأصيلي، سينطلقون إلى مركز تكوين، لشراء كتب أحمد السيد، ثم سيتعرفون على كتب صديقه عبدالله العجيري ليطالعوا كلامه بأن مفهوم الخوارج واسع قد يطال الحكومة نفسها، والسؤال: ما علاقة كل هذا بالإلحاد؟