شغل تصحيح المنطق الكثير من المفكرين والفلاسفة منذ القدم ودأبوا على تنقيحه من الزيف منذ سقراط، وأرسطو، والكندي، وفخر الدين الرازي، وحديثا في أواخر السبعينات أُنشئ فرع من المنطق باسم المنطق غير الصوري، أو المنطق العامي، ويهدف إلى استخدام المنطق في تعريف الحجج وتحليلها وتقييمها وكشف المغالطات المنطقية، مع ذلك لا تزال المغالطات المنطقية تحتل جزءًا كبيرًا مما نسمعه ونعيشه اليوم.

ومن أبرز تلك المغالطات وأخطرها مغالطات بعض الجماعات المتطرفة في عصرنا الحالي، التي تهدف إلى مصادرة تفكير الفرد وقراره؛ ليذوب في القطيع الذي يسوقونه إلى أهدافهم السياسية السلطوية.

وقد تحدث وكتب عن المغالطات المنطقية في العصر الحديث كثير من العلماء والفلاسفة مثل: شوبنهاور، وعالم النفس المصري عادل مصطفى، وعالم النفس الحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان وغيرهم كثير، وقد رصد هؤلاء العلماء بعض أساليب المغالطات التي يستخدمها المضللون مثل: المصادرة على المطلوب، والتعميم الخاطئ، واعتبار ما ليس بعلة علة، ومغالطة الإحراج الزائف.. وغيرها الكثير، حتى أن الدكتور عادل مصطفى أحصى في كتابه أكثر من ثلاثين مغالطة منطقية، ويجوز لنا أن نقول إن المغالطة المنطقية هي خطأ في الاستنتاج بسبب خطأ في الدليل، أو عدم صحة الترابط بين الدليل والنتيجة.


نلاحظ أن بعض الجماعات -مثلًا- تتعمد ربط اسمها باسم الدين، أو لفظ الجلالة؛ لتجعل لنفسها قداسة وحصانة (ما ليس بعلة علة) و(المصادرة على المطلوب) تغطي أغلب حديثهم -مثلاً- عندما يصفون خصومهم بأنهم أعداء الله بما أنهم يحاربونهم فهم يحاربون الله إذا هم أعداء الله! مع أنهم بدأوا الاستدلال بالنتيجة، ورغم أن هذه من المغالطات التي تبدو سخيفة إلا أنها تنطلي -للأسف- على كثير من العوام.

ومن هذه المغالطات أيضا (مغالطة الإحراج الزائف) وتتمثل في أن يوضَع الفرد أمام خيارين أحدهما بين البطلان، والآخر هو ما يريده المغالط، مثل أن يُقال له: هل أنت معنا أم أنك مع الشيطان، متناسين الخيارات الكثيرة المتاحة غيرهم والشيطان، وهناك الكثير من المغالطات المنطقية لا يتسع المقام لذكرها كلها، بوسع أي منا الاطلاع عليها من مصادرها، وسوف يعجب أن أغلب حديث تلك الجماعات مشحون بهذه المغالطات.

ولكن أيضا في المقابل هناك فريق آخر لا يقل تطرفا ومغالطة عن الفريق الأول، فريق من نوع آخر هدفه تشويه الدين باستخدام ذات المغالطات مثل مغالطة (التعميم الخاطئ) فتراه يختزل خمسة عشر قرنا من الحضارة الإسلامية وما قدمته للبشرية من تسامح وحرمة للدماء، ومن تحضر وتقدم في العلوم المختلفة مثل علم الفلك، والطب، والرياضيات.. وغيرها، يختزل كل ذلك في (داعش) الجماعة الطارئة على التاريخ والتي لا تشكل واحدا من الألف من تاريخ الإسلام ويستخدم هذا الفريق أيضا جرائم الفريق الأول المذكور أعلاه كأداة يحاول بها حجب شمس الإسلام.

«ونحن اليوم بين هذين الفريقين فريق يشوه الدين ببيعه في سوق السياسة وفريق يروج لهذه التشويهات في سوق الأديان» ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره.

ويمكن تحصين المجتمع لمواجهة هذين الفريقين وما شابههما برفع مستوى الوعي عند الشباب وبتنبيههم لهذه الأنواع من المغالطات المنطقية التي نخرت عظام المجتمع وعاثت في الأرض الفساد.