معظم الأطفال إذا سألتهم (ايش تبغى تصير لما تكبر؟) سوف يجيبك (أبغى أصير دكتور)، وكأنه شيء من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، حب الطب.

ليس كل إنسان يدرس ما يرغب ولا يعمل فيما يحب، هناك أعمال امتهنها أصحابها لأكل العيش فقط وليس للشغف، وأحيانًا يدرس شيئًا ويعمل بشيء مختلف تمامًا، ربما كانت الفرصة الوحيدة المتاحة، في كل الأحوال عليه أن يحب ما يعمل، أن يخلق الشغف، كي ينجح. هناك أعمال بالفعل لم يكن الإنسان يفكر أن يمارسها، لم تكن ضمن أجوبته حينما سألوه، ماذا تريد أن تصبح حين تكبر، لكنه أصبح ونجح.

مهنة الطب التي أجمع الكثيرون على حبها، تبدأ بدراسة ست سنوات في كلية الطب، تتخللها تدريبات إكلينيكية.

ومن ثمّ سنة الامتياز وهي سنة تدريبية إجبارية، يتم خلالها تدريب الطبيب في جميع فروع الطب البشري، وفترة تدريب وجيزة اختيارية في تخصص يختاره الطبيب، أتذكر أنني اخترت تخصص الأمراض الجلدية لإيماني بأن معظم مؤشرات الأمراض الجسدية تبدأ من الجلد.

بعد الانتهاء من سنة الامتياز يحصل الطبيب على وثيقة التخرج في كلية الطب ويصبح طبيبًا عامًا رسميًا، وبعدها لديه خياران إمّا أن يبحث عن وظيفة كطبيب عام، وبعد عام من الحصول على الوظيفة يحق له طلب إيفاد لدراسة تخصص يرغبه ليصبح أخصائيًا.

وتتم الموافقة عادة على التخصص الذي تحتاجه المنشأة الصحية التي يعمل فيها وليس بالضرورة ما يرغبه الطبيب، وإن اختار أن يتبع رغبته لا رغبة المنشأة يستقيل ويدرس التخصص الذي يرغبه بعقد يُدعى عقد طبيب متدرب، بعد الحصول على موافقة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية والمركز التدريبي، وكذلك يفعل هذا، الأطباء الذين يجدون في الخدمة كطبيب عام لمدة سنة بعد التخرج مضيعة للوقت، فلا يتقدم لوظيفة بل مباشرة ينضم لبرنامج التخصص، بعقد عمل لفترة الزمالة فقط، ومعنى ذلك أنه طبيب غير دائم في المركز التدريبي، ويتم تسريحه بعد ذلك للبحث عن عمل كأخصائي.

وبرامج التخصص تتراوح مدتها ما بين 4-5 سنوات، حسب التخصص، بعدها يتم تصنيف الطبيب كأخصائي، وبعد العمل لمدة ثلاث سنوات في التخصص تتم ترقيته لاستشاري من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، ولكن ليس كرقم وظيفي، ومزايا مالية، إلا إذا حصل على درجة استشاري في الكادر.

وإذا أحب الطبيب بعد إنهاء زمالة التخصص الالتحاق ببرنامج تخصص دقيق، يحتاج إيفادا آخر وقبولا آخر من الهيئة ومركز التدريب، ليحصل على تخصص دقيق في أحد فروع التخصص العام، مثل طبيب كلى أطفال، طبيب غدد أطفال، طبيب عناية مركزة أطفال.

الطبيب الذي حصل على الزمالة عن طريق الإيفاد لدراسة التخصص أكبر حظًا من الطبيب الذي حصل عليه من خلال عقد طبيب متدرب، لأن الأول بمجرد إنهاء الزمالة يعود إلى عمله ومنشأته ولكن كأخصائي، وليس طبيبًا عامًا أو طبيبًا مقيمًا كما كان، بينما الطبيب الذي انتسب للمركز التدريبي كطبيب غير دائم إنما بعقد للتدريب فقط، بعد إنهاء البرنامج، يصبح أخصائيًا عاطلًا، ويبدأ رحلة البحث عن العمل، وبعضهم يضطر للعمل بعقود مؤقتة.

أتذكر إحدى الزميلات كان كل طموحها أن تتخصص في طب طوارئ الأطفال كتخصص دقيق، ولكنها بعد إنهاء زمالة طب الأطفال العام أمضت عامًا كاملًا تبحث عن عمل، قالت لي: أحلامي أصبحت عبارة عن عمليات إنعاش لحالات حرجة، كانت تخاف أن تنسى فمارست الطب في أحلامها، إلى أن توظفت واستعادت كل شيء.

دور الأخصائي مهم جدًا في الفريق الطبي وهو مساعد للاستشاري، وهو من ينفذ الخطة العلاجية ومتابعتها، سؤالي: هل من الممكن أن تشترط الهيئة السعودية للتخصصات الصحية على المركز التدريبي إطالة عقد طبيب الزمالة لفترة أطول بحيث يمتد لعام أو عامين بعد انتهاء برنامج التخصص، حتى تتوفر فرصة وظيفية أفضل أو حتى القبول في برنامج التخصص الدقيق؟، هذا سيزيد من خبرات الطبيب كأخصائي، ويسد احتياج الأقسام من الأخصائيين، حيث تواجه بعض الأقسام والتخصصات نقصًا حادًا في عدد الأخصائيين، بينما هناك أخصائيون عاطلون، ولسان حالهم يقول (لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت).