يقال: إن كل رجل دولة هو رجل سياسة، وليس كل رجل سياسة رجل دولة. فماذا يعني هذا القول، وكيف يمكن أن نفهمه على الوجه الصحيح مع واقع الحال؟. رجل الدولة من المفاهيم السياسية الراسخة في علم السياسة، لكن ما يجمع مفهومه لدى المجتمعات كافة، هو أن من يستحق أن يطلق عليه رجل دولة هو ابتداء لابد أن يكون رجل سياسة بما تحمله هذه المفردة من معان.

بعد ذلك يتفرد رجل الدولة عن السياسي من خلال تمتعه ببعض الصفات، يتميز بها عن غيره من رجالات السياسة.

وهذه الصفات لا بد أن تتميز بكونها من الصفات الرفيعة ذات القيمة العالية، فلا بد أن يتصف رجل الدولة بالحكمة التي تعرف في أبسط صورها بـأنها:


وضع الأمور حيث ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، والشجاعة وتظهر فيه هذه الصفة في كونه مقداماً جريئاً، عندما يستدعي الأمر منه ذلك، ومتواضعاً هيناً ليناً في سائر حياته، ويكون نزيهاً أي: بعيداً عن كل سوء كما عرفها الجرجاني، ولديه أهداف عليا للدولة، وتتمثل في تحقيق أكبر قدر من النجاح في كافة المجالات، سواء في داخل الوطن أو أمام المجتمع الدولي، بأقل كلفة ممكنة، مع الاستمرار في الإبداع والتطور، ويندرج في هذه الأهداف العليا الحرص على مصالح المواطنين، والقيام على شؤونهم وتلمس احتياجاتهم. من توافرت فيه هذه الصفات علاوة على كونه رجل سياسة، حق لنا أن نطلق عليه «رجل دولة».

معظم من يحكمون الأوطان شرقاً وغربا شمالاً وجنوباً، هم رجال سياسة بالدرجة الأولى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يجرؤ صاحب عقل وتمييز، أن يطلق على أي منهم في غالب الأحوال أنه رجل دولة.

نعم جميعهم سياسيون ويحكمون دول، لكن ما يجمعهم قصور الأهداف ومحدوديتها، فكل سياسي في الأغلب الأعم، إن لم يكن هدفه العظمة الشخصية، فالصحيح أن أيا منهم لا يعبر عن مصالح دولته الحقيقية، بعيداً عن مصالحه الشخصية، وجل عمل أي منهم هو العمل على استغلال تواجده على سدة المسؤولية لتحقيق شيء من ذلك، قبل أن يودع كرسيه لسياسي آخر لا يقل عنه وصولية.

ويمكن أن نستعير تعبير صاحب «المدينة الفاضلة» الفيلسوف الإغريقي «أفلاطون» لتوصيف مثل هؤلاء الوصوليين، عندما وصفهم بـ «السفسطائيين» لما يتميزون به من الانتهازية من خلال الالتصاق بالدولة ومؤسساتها، لتحقيق فوائد شخصية، والحصول على المكانة الاجتماعية المرموقة، دون وجود أي إمكانيات حقيقة تؤهلهم لشغل تلك الأماكن، أو لنيل تلك المكانة.

نحن في المملكة العربية السعودية، أنعم الله علينا بشخصية حازت نصيباً وافراً من صفات رجل الدولة، بما يملكه من كاريزما قيادية تصغر في عينها الصعاب، حازماً لا يعرف الكلل ولا الملل، همه الوصول ببلده في مدة وجيزة إلى درجة يصعب على المرء تصديقها، فمنذ توليه المسؤولية لم يخيب ظن قائده وملهمه، فمن التقدم بسرعة الضوء في الكثير من المؤشرات العالمية، إلى ما يشابه هذه السرعة في استحداث المشاريع الجبارة والملهمة، والتي يقوم عليها خيرة شباب الوطن بكل حب وإتقان، ويصح أن نقول أمام هذه الحالة:

إذا كان الطالب جاهزا ظهر المعلم، وهذا ما سطره أبناء هذا البلد الكريم في جهوزيتهم، ولم يكن ينقصهم إلا ظهور المعلم ليظهروا إبداعاتهم، وهو ما تحقق بوجود قائد وملهم سمو الأمير محمد بن سلمان - رعاه الله - ولم تمنع هذه الجهوزية أبناء الوطن من الاستعانة ببعض الخبرات العالمية لسابق الخبرة والتجربة.

كذلك نراه - حفظه الله - يقاتل على شتى الجبهات، أمام سيل عارم من الادعاءات الكاذبة والتشويه المتعمد لقيادات هذه البلاد وأهدافها، وفي كل الأحوال ينجح بكل اقتدار في تجاوزها.

مع كل هذا وغيره مما لم يتم التطرق له، يحق لنا ولكل منصف أن يطلق على سموه أنه رجل دولة.

ندعو الله أن يمده بعونه وأن يسدد على الدرب خطاه، ويوفقه لتحقيق طموحاته وتطلعات شعبه الكريم، الذي لا يقل عن سموه طموحاً ورغبة. «لا تسمح للأشياء التي تريدها أن تنسيك الأشياء التي تملكها»