تلا ذلك إعلان السعودية منع دخول منتجات الخضار والفواكه اللبنانية إلى المملكة أو العبور من خلال أراضيها، وذلك لحين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف عمليات التهريب الممنهجة ضد المملكة، وشددت السلطات السعودية على «أن الحرص على حماية مواطني المملكة والمقيمين على أراضيها من كل ما يؤثر على سلامتهم وأمنهم».
ولا شك أن القرار بطولي وحق مشروع جاء بعد أن طفح الكيل، وأصبح لبنان مصدرا لتفخيخ الفواكه والخضراوات بالمخدرات وإغراق السعودية بالمخدرات. وبعد ساعات من اتخاذ السعودية قرار المقاطعة الحكيم، جاءت ردود أفعال المزارعين اللبنانين الغاضبين لتكشف المستور بعد أن فجر أحد المزارعين في تصريح متلفز وعبر إحدى القنوات الفضائية مفاجأة خطيرة ومن العيار الثقيل بشأن تلوث المحاصيل الزراعية اللبنانية التي تصدر لدول الخليج بالمبيدات الحشرية، وذكر وبكل بجاحة وأمام العالم أن المبيدات الزراعية المستخدمة غير مطابقة للمواصفات الأوروبية، وبالتالي لا يمكن تصديرها إلا للدول الخليجية. بالتأكيد تصريح المزارع اللبناني وكشفه لهذا الجرم أمر أخطر يفوق جريمة المخدرات، فكميات الفواكه والخضراوات المسرطنة شبح خفي يدمر صحة الشعب بأكمله، ويلحق الضرر بالمنظومة الصحية ويكبد وزارة الصحة الخسائر الكبيرة، بينما المخدرات أضرارها محدودة وجهود الحكومة مكثفة تجاه الحرب على المخدرات.
كذلك حول مخاطر هذه القضية وفي لبنان نفسها، فقد سبق وأن حذرالأكاديمي المحاضر في كلية الزراعة بالجامعة اللبنانية الدكتور حسين حمود في العام 2010 عبر نشره لبحث أعده عن مخاطر المبيدات السامة التي تصدّر الى دول العالم الثالث دون رقابة، والمنتشرة في الأسواق اللبنانية، وتباع بكل يسر بهدف الكسب المادي دون أي اعتبار لسلامة الأشخاص.
وتضمن البحث تحذيراً مشدداً من مخاطر المبيدات على صحة البشر، مشيراً إلى أن النباتات تمتص المبيدات المرشوشة عبر عُصارة النباتات وتخزنها في أنسجتها، وتؤدي على المدى البعيد إلى أمراض سرطانية واسعة عند الإنسان، كما كشفت مجموعة العمل البيئية (EWG) عن قائمة بأكثر الفواكه والخضراوات احتواء على مبيدات حشرية في العام الحالي.
وبحسب التقرير الذي نشرته المجموعة على موقعها فإن الفراولة تواصل تصدر قائمة (Dirty Dozen)، للفواكه والخضراوات التي تحتوي على أعلى مستويات من المبيدات الحشرية، وفي المراتب التالية في القائمة التي تتضمن 46 نوعا من أكثر الأطعمة الملوثة تأتي السبانخ، واللفت، والكرنب، والخردل، والنكتارين، والتفاح، والعنب، وتشمل القائمة أيضا الخوخ، والكمثرى، والفلفل الحلو والحار، والكرفس، والطماطم.
ومن هذا المنطلق ونظراً لخطورة الجريمة التي ترتكب بحق الإنسانية في الدول الخليجية ومواطنيها، وجب على الجهات المعنية السعودية، وعلى رأسها وزارة الصحة رفع البطاقة الحمراء في وجه هذا الشبح؛ ووضع الأصبع على الجرح ابتدا، ومحاربة عصابات الإجرام الصحي والبيئي مثل ما يحارب تجار المخدرات بل واشد، وذلك من خلال إحداث مختبرات في جميع المنافذ، لكشف بقايا المبيدات، ذات كفاءة ودقة عالية وتطبيق أنظمة ومواصفات الدول الأوروبية، وفحص جميع الخضراوات والفواكه المستوردة من أي دولة كانت، وإفهام تلك الدول أن صحة الإنسان لدى الحكومة السعودية غالية، وأننا تقدمنا بكثير، وعانقنا السماء، وزمن «ما في عنا غير الخليج» ولى دون رجعة.