واجهت الحكومات تحدياً كبيراً مع جائحة كوفيد19 في جميع أنحاء العالم. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل غيرت الجائحة مفاهيم الحكم السائدة والمفاهيم التجريبية في السياسات والقوانين الصحية، وكانت هناك ثلاثة تساؤلات رئيسة طرحت نفسها:

أولاً: لماذا فشلت بعض الحكومات التي تم تقييمها على أنها الأكثر استعدادا من قبل خبراء الصحة العامة والأكثر قدرة على الاستجابة لتفشي الوباء في مواجهة الجائحة في بلدانها؟.

ثانياً: عدد من القوانين الديموقراطية التي أثبتت سابقا فعاليتها للصحة لم تسر بشكل جيد لإنجاح أداء الحكومات في هذا الوباء، فهل هناك ميزة سلطوية في الاستجابة للمرض؟.


ثالثا: أجبر كوفيد 19 العالم على الاتفاق على الإغلاق الصارم والعزل والحجر الصحي الذي تفرضه الشرطة، فهل ستثبت هذه الإجراءات فعاليتها على المدى الطويل، وتعيد تشكيل قوانين وإجراءات الصحة العالمية؟.

قام الباحثان رينو سينج وماثيو كافانا بتقصي هذه الأسباب والإجابة عن الأسئلة المستقبلية من خلال تجارب عدة للدول في 2020.

سقوط النموذج

توقعت المنظمات مثل منظمة الصحة العالمية إلى الأكاديمية الوطنية الأمريكية للأدوية لبيل جيتس جائحة مشابهة لـ«كوفيد - 19» بعد تفشي مرض السارس عام 2003، وقامت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمراجعة اللوائح الصحية الدولية بعدة طرق، بما في ذلك التزام الجميع بتعزيز القدرات الأساسية الثمانية للصحة العامة والاستجابة للأمراض، وتحددت البلدان التي لديها أكبر قدرة على الاستجابة للوباء، لكن الأداء الفعلي للدول والحكومات في جميع أنحاء العالم في كوفيد19 شوّش كثيرا من هذا التفكير. وأصبحت هناك حاجة إلى تصور جديد للقدرة السياسية في الاستجابة للأمراض، وأجرت منظمة الصحة العالمية تقييمات مختلفة، وربما تم بذل الجهد الأقوى من خلال تعاون أكاديمي مع مجموعة فكرية بعنوان مؤشر الأمن الصحي العالمي، المصمم «لتقييم قدرة الدولة على الوقاية من الأوبئة والتخفيف من حدتها».

مؤشرات معتمدة

يعتمد مؤشر الأم الصحي العالمي على قياس مجموعة من القدرات المختبرية والقوى العاملة الصحية، ومدى امتثالها للمعايير الدولية، والقدرة على التخطيط، والاستقرار السياسي (أي مستوى الاضطرابات الاجتماعية والانتقال المنظم للسلطة)، وهذا التصور لمفهوم الاستعداد للجائحة يتماشى بشكل وثيق مع مدى فعالية الدولة في إجراء صنع السياسات وتوفير المنافع العامة مثل الأمن والرعاية الصحية والبنية التحتية المادية.

تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى على مؤشر GHS، وبريطانيا المرتبة الثانية، والصين المرتبة 51 وجنوب إفريقيا المرتبة 34، بينما تأتي معظم الدول الإفريقية بالقرب من القاع، وتم انتقاد هذه الإجراءات باعتبارها غير مكتملة ومنحازة تجاه الدول الغنية، فعلى سبيل المثال، يمنحون درجات أعلى عندما تنفق البلدان الأموال بطرق قد لا تعكس الأولوية الجيدة في الأماكن محدودة الموارد، وبالتالي في بعض الأحيان يقيسون الثروة النسبية بدلاً من جودة صنع القرار.

السعة العالية

دفع كوفيد19 إلى التفكير في الدرجة التي ارتبطت بها «السعة» العالية بالاستجابة الفعالة، ووضعت 35 دولة ضمن الأعلى تصنيفا، وجميعها من بين الأكثر استعدادا مقارنة ببقية العالم - إلى جانب العدد المطلق لحالات كوفيد19، والوفيات لكل 100.000 من السكان اعتبارًا من 1 مايو 2020 كانت لهذه البلدان «القادرة» على نحو مماثل نتائج مختلفة للغاية في هذه المرحلة.

شهدت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة وبريطانيا عددا قليلاً من الحالات المبلغ عنها التي تفشت في المدن الكبرى بحلول منتصف فبراير، ولكن بحلول بداية مايو سيطرت كوريا الجنوبية (مؤقتًا) على الوباء، حيث بلغ إجمالي الحالات 10% فقط من تلك الموجودة في بريطانيا، و1% في الولايات المتحدة، وشهدت كوريا الجنوبية أقل من حالة وفاة واحدة من بين كل 100.000 شخص، بينما شهدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة 19 و40 حالة وفاة على التوالي، ويثير التباين الذي يظهر عبر البلدان التي يُفترض أنها أكثر استعدادا للتساؤل حول الكيفية التي يمكننا بها أن نعكس بشكل أفضل القدرة السياسية على الاستجابة للأوبئة، فمن الواضح أن البنية التحتية القوية و«الاستقرار» ليسا كافيين.

الديمقراطية جيدة أم ضارة

لطالما ناقشت الأدبيات قيمة الديمقراطية للصحة، ويُقال إن الضغوط الانتخابية والحريات السياسية للأنظمة الديمقراطية تساهم في تحسين الصحة وإطالة العمر، ولكن أدت قصة النجاح الصيني وفشل الولايات المتحدة إلى القلق من أن كوفيد19 يمثل أخبارا سيئة حول قيمة ومستقبل الحكم الديمقراطي، وأجريت دراسات أولية تظهر وجود علاقة بين الديمقراطية وحالات تفشّ أسوأ، بالإضافة إلى استجابات سياسية أقل، حيث تتطلب الاستجابات الفعالة القدرة على التصرف بسرعة والتنفيذ الفعال واكتساب الامتثال العام، فعلى سبيل المثال تواجه الديموقراطيات تحديا في مواجهة أوامر البقاء في المنزل من الفصائل والمؤسسات السياسية المتنافسة، والتي قد يكون لدى بعضها حوافز سياسية لتقويض الاستجابة، في حين تحركت بكين للعمل بمجرد اندلاع تفشي المرض، وأغلقت سوق ووهان بسرعة، وأوقفت حركة عشرات الملايين من الأشخاص، وفحصت وعزلت المرضى، وحتى بناء مستشفيين في أيام.

وسنغافورة نالت الثناء على استجابتها السريعة، في حين كافحت الولايات المتحدة للرد، وركزت إدارة ترمب على حظر السفر لإبعاد الفيروس «الأجنبي» بدلاً من حشد قدرات الصحة العامة للكشف، وكان هيكل الحوافز للرئيس واضحا، حيث حاولت إدارته تسمية «كوفيد19» بـ«فيروس ووهان»، في استمرار الحرب التجارية مع الصين، أكبر منتج للسلع الطبية التي تحتاجها الولايات المتحدة.

ربما كانت هذه الحوافز أوضح في أوائل مارس عندما قاوم ترمب بالسماح لسفينة سياحية تحمل حالات كوفيد19 بالرسو، وتقدم كوريا الجنوبية مثالا مختلفا تماما، حيث عزل الرئيس السابق بعد احتجاجات شوارع ضخمة. وكان حزب المعارضة الرئيس نشطًا في انتقاد استجابة الحكومة لفيروس كورونا في الفترة التي تسبق الانتخابات المقبلة، بما في ذلك التراجع عن عمليات الإغلاق في مدينة دايجو.

تباين الاستجابات

بدون وسائل إعلام مفتوحة ومراقبة معارضة للتسلسل الهرمي البيروقراطي، لم تصل المعرفة من الخطوط الأمامية للوباء إلى بكين لتنبيه كبار المسؤولين بالتهديد المتزايد. وفي الوقت نفسه، وفي سنغافورة تم تقويض الاستجابة الفعالة في البداية بسبب تهميش الحكومة للعمال المهاجرين الذين تم منحهم القليل من الحقوق وكانوا غير مرئيين لاستجابة الحكومة المبكرة، لذلك كيف يمكن تصنيف الحكم الديمقراطي أو الاستبدادي الذي يساعد أو يعيق الاستجابة للوباء؟، ما هو البارز في ديموقراطيات كوريا الجنوبية وألمانيا، على سبيل المثال، مقارنة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة؟ هل أنواع معينة من الأنظمة أكثر ميلًا للانصياع للعلم؟ وهل يلعب «الانحدار الديمقراطي» دورًا في سبب ضعف استجابة بعض الدول؟

انقسم الأمريكيون على طول الخطوط الحزبية من حيث رد فعلهم على كوفيد19، وفي المجر استولت حكومة أوربان على سلطات الطوارئ بما يتجاوز بكثير ما هو مطلوب للاستجابة للفيروس، فهل التدابير القسرية مرغوبة في استجابات السياسات في القرن الحادي والعشرين؟.

كما اتبعت إيطاليا بعض السياسات الأكثر تقييدا في العالم - فرض إجراءات الإغلاق بغرامات ضخمة واستخدام الطائرات بدون طيار من قبل الشرطة، وفي إسبانيا قام آلاف الجنود في مدن الحجر الصحي بدوريات في الشوارع وفرض الإغلاق.

الأحزمة الصحية تأخذ الحجر الصحي إلى منطقة جغرافية أوسع. يخضع الأفراد للحجر الصحي بانتظام في جميع أنحاء العالم، وفرض تطويق على مستوى الأحياء والمدينة في الصين وكندا خلال تفشي مرض السارس عام 2003، وفي ليبيريا في تفشي إيبولا عام 2014. ولكن في كوفيد 19 أصدرت أوامر لبلدان وولايات أو مقاطعات بأكملها بالبقاء في المنزل، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الاختبارات غير الكافية، وتعني قلة المعلومات حول من قد يكون قد تعرض للفيروس.

أظهر الاقتراع المبكر دعما للتباعد القسري، ففي الولايات المتحدة قال 80% من الأمريكيين إن أوامر الحماية الصارمة تستحق العناء، ووجدت استطلاعات الرأي في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا أكثر من 85% تؤيد إجراءات الإغلاق، وفي جنوب إفريقيا أيدت الغالبية العظمى في استطلاع عبر الإنترنت «الإغلاق التام».

تكاليف اقتصادية

هناك تكاليف اقتصادية مرتبطة باتباع تدابير التباعد الاجتماعي وخطر رد الفعل العكسي على الثمن الاقتصادي الباهظ الذي يتم دفعه للامتثال لمثل هذه التدابير.

في الهند، ورد أن مئات الآلاف تحدوا نصائح الصحة العامة وفروا من المدن الكبرى إلى المناطق الريفية عندما تم الإعلان عن الإغلاق، مما قد يؤدي إلى انتشار الفيروس في جميع أنحاء البلاد، كما اندلعت الاحتجاجات من ميشيجان في الولايات المتحدة إلى مومباي وبيروت وبغداد.

وبالنظر إلى حجم القوة القسرية التي انتهجتها الدول في جميع أنحاء العالم خلال كوفيد19 فإن من الصعب التراجع عن بعض السياسات القسرية بعد انحسار تفشي المرض، واستجابةً لفيروس كورونا أقامت بلجيكا نقاط تفتيش للشرطة في الشوارع لزيادة مراقبة امتثال الناس لأوامر البقاء في المنزل، وزيادة تتبع موقع الهاتف المحمول، وتتضمن المراقبة أثناء الوباء شراكات مع شركات خاصة لتتبع تحركات الأفراد وتفشي العدوى باسم الصحة العامة.

ويبدو أن هذا التحرك لتبني تدابير الصحة العامة القسرية على نطاق غير مسبوق سيكون له آثار أوسع وأطول أمدا، حيث ستكون هناك حاجة ماسة لأدوات العلوم الاجتماعية في السنوات القادمة لمساعدتنا في فهم كوفيد19 ومن السابق لأوانه، في خضم الوباء، استخلاص النتائج.

بعض الأنظمة نجحت أكثر في التدابير القسرية خلال كورونا

في الدول الديمقراطية كانت الاستجابات بطيئة

مؤشر الصحة العالمي

1 أمريكا

2 بريطانيا

34 جنوب إفريقيا

51 الصين