أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أن مبادرة السلام العربية أساس لحل عادل وشامل للصراع في الشرق الأوسط، موضحا أن العالم اليوم يواجه تحديا كبيرا، يتمثل في جائحة كورونا وآثارها الصحية والإنسانية والاقتصادية، التي أظهرت الحاجة الملحة إلى تكاتف الجميع لمواجهة التحديات المشتركة للإنسانية، وأن المملكة بوصفها رئيسا لمجموعة دول العشرين مستمرة في الدفع بجهود الاستجابة الدولية للتعامل مع الجائحة ومعالجة آثارها الإنسانية والاقتصادية.

وشددت على انتهاجها في محيطها الإقليمي والدولي سياسة تستند إلى احترام القوانين والأعراف الدولية، والسعي المستمر لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في محيطها، ودعم الحلول السياسية للنزاعات، ومكافحة التطرف بأشكاله وصوره كافة.

جاء ذلك في كلمة المملكة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمام أعمال الدورة (الخامسة والسبعين) لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ــ عبر الاتصال ــ المرئي وفيما يلي نصها:


أود في البداية أن أتقدم بخاص التهاني لمعالي السيد فولكان بوزكير، لانتخابه رئيساً للدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، متمنياً له النجاح في أداء مهامه. كما أتقدم بالشكر الجزيل لسلفه الدكتور تيجاني محمد باندي، رئيس الدورة السابقة على ما بذله من جهود كبيرة، ولا يفوتني الإشادة في هذا الإطار بالعمل المميز الذي يقوم به معالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد/ أنطونيو غوتيريس لرفع كفاءة عمل مؤسسات الأمم المتحدة، بما يحقق أهدافها ومقاصد ميثاقها.

أتحدث إليكم اليوم من أرض الرسالة، مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، موجهاً إليكم رسالة نستند فيها إلى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وثقافتنا العربية، وقيمنا الإنسانية المشتركة، ندعو فيها إلى التعايش والسلام والاعتدال، والتكاتف بين دول العالم وشعوبها في مواجهة التحديات الإنسانية الاستثنائية المشتركة، التي تواجه عالمنا.

فالعالم اليوم يواجه تحدياً كبيراً، يتمثل في جائحة كورونا وآثارها الصحية والإنسانية والاقتصادية، التي أظهرت الحاجة الملحة إلى تكاتفنا جميعاً لمواجهة التحديات المشتركة للإنسانية، وقد قامت المملكة بوصفها رئيساً لمجموعة دول العشرين بتنسيق الجهود الدولية من خلال عقد قمة في شهر مارس الماضي على مستوى القادة لتنسيق الجهود العالمية لمكافحة هذه الجائحة والحد من تأثيرها الإنساني والاقتصادي، وأعلنت المملكة خلال القمة تقديم مبلغ خمسمئة مليون دولار لدعم جهود مكافحة الجائحة، وتعزيز التأهب والاستجابة للحالات الطارئة، والمملكة مستمرة في الدفع بجهود الاستجابة الدولية للتعامل مع الجائحة ومعالجة آثارها.

كما أن المملكة من أكبر الدول المانحة في مجال المساعدات الإنسانية والتنموية، ولم تميز المملكة أحداً في هذه الجهود على أسس سياسية أو عرقية أو دينية، حيث قدمت المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر من ستة وثمانين مليار دولار من المساعدات الإنسانية، استفادت منها إحدى وثمانون دولة.

الحضور الكرام: إن بلادي منذ تأسيس هذه المنظمة كانت في طليعة الدول الساعية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وعملت دوماً ولا تزال على بذل جهود الوساطة والتوصل لحلول سلمية للنزاعات، ومحاولة تجنبها، ودعم الأمن والاستقرار، والنمو والازدهار. إلا أن منطقة الشرق الأوسط عانت، ولا تزال، من تحديات أمنية وسياسية كبرى تهدد أمن شعوبها واستقرار دولها.

فقد عانت منطقتنا عقوداً طويلة من محاولة قوى التطرف والفوضى فرض سياساتها وتوجهاتها لإعادة صياغة حاضر دول المنطقة ومستقبلها، غير مكترثة لتطلعات شعوبها من نمو وازدهار وسلام، وقد اخترنا في المملكة طريقاً للمستقبل من خلال رؤية المملكة 2030، التي نطمح من خلالها أن يكون اقتصادنا رائداً ومجتمعنا متفاعلاً مع محيطه، مساهماً بفاعلية في نهضة البشرية وحضارتها.

وتنتهج المملكة في محيطها الإقليمي والدولي سياسة تستند إلى احترام القوانين والأعراف الدولية، والسعي المستمر لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في محيطها، ودعم الحلول السياسية للنزاعات، ومكافحة التطرف بأشكاله وصوره كافة.

الحضور الكرام: لقد مدت المملكة أياديها للسلام مع إيران وتعاملت معها خلال العقود الماضية بإيجابية وانفتاح، واستقبلت رؤساءها عدة مرات لبحث السبل الكفيلة لبناء علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل، ورحبت بالجهود الدولية لمعالجة برنامج إيران النووي، ولكن مرة بعد أخرى رأى العالم أجمع استغلال النظام الإيراني لهذه الجهود في زيادة نشاطه التوسعي، وبناء شبكاته الإرهابية، واستخدام الإرهاب، وإهدار مقدرات وثروات الشعب الإيراني لتحقيق مشاريع توسعية لم ينتج عنها إلا الفوضى والتطرف والطائفية.

واستمراراً لذلك النهج العدواني، قام النظام الإيراني العام الماضي باستهداف المنشآت النفطية في المملكة، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، واعتداء على الأمن والسلم الدوليين، وبشكل يؤكد أن هذا النظام لا يعبأ باستقرار الاقتصاد العالمي وأمن إمدادات النفط للأسواق العالمية، كما يستمر عبر أدواته في استهداف المملكة بالصواريخ البالستية التي تجاوز عددها ثلاثمائة صاروخ وأكثر من أربعمئة طائرة بدون طيار في انتهاك صارخ لقراري مجلس الأمن 2216 و2231، ولقد علمتنا التجارب مع النظام الإيراني أن الحلول الجزئية ومحاولات الاسترضاء لم توقف تهديداته للأمن والسلم الدوليين، ولا بد من حل شامل وموقف دولي حازم يضمن معالجة جذرية لسعي النظام الإيراني للحصول على أسلحة الدمار الشامل وتطوير برنامجه للصواريخ البالستية وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورعايته للإرهاب.

الحضور الكرام: إن تدخلات النظام الإيراني في اليمن من خلال انقلاب الميليشيات الحوثية التابعة له على السلطة الشرعية أدت إلى أزمة سياسية واقتصادية وإنسانية، يعاني منها الشعب اليمني الشقيق، وتشكل مصدراً لتهديد أمن دول المنطقة والممرات المائية الحيوية للاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى قيام تلك الميليشيات بتعطيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني، وعرقلة جميع جهود التوصل إلى حل سياسي في اليمن، وعدم تجاوبها مع جهود التهدئة وآخرها إعلان التحالف في شهر أبريل الماضي لوقف إطلاق النار استجابة لدعوة الأمم المتحدة ولإتاحة الفرصة لتعزيز جهود مكافحة تفشي جائحة كورونا في اليمن، حيث إنها ما زالت مستمرة في استهداف المدنيين في اليمن والمملكة.

ونؤكد أن المملكة لن تتهاون في الدفاع عن أمنها الوطني، ولن تتخلى عن الشعب اليمني الشقيق حتى يستعيد كامل سيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية، وستستمر في تقديم الدعم الإنساني للشعب اليمني الشقيق، كما سنواصل دعمنا لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، وفقاً للمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار اليمني الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216.

الحضور الكرام: يشكل الإرهاب والفكر المتطرف تحدياً رئيسياً يواجههُ العالم بأسره، وقد نجحنا معاً خلال الأعوام القليلة الماضية في تحقيق نجاحات مهمة في مواجهة التنظيمات المتطرفة، بما في ذلك دحر سيطرة تنظيم داعش على الأراضي في العراق وسورية، من خلال جهود التحالف الدولي، كما نجحت قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن في توجيه ضربات مهمة لتنظيمي القاعدة وداعش في اليمن.

إن تحقيق النجاح في معركتنا ضد الإرهاب والتطرف يتطلب تكثيف جهودنا المشتركة من خلال مواجهة هذا التحدي بشكل شامل يتناول مكافحة تمويل الإرهاب، والفكر المتطرف. وقد قامت المملكة بدعم عدد من المؤسسات الدولية التي تسهم في دعم الجهود المشتركة في مواجهة هذا التحدي، حيث دعمت المملكة مركز الأمم المتحدة الدولي لمكافحة الإرهاب، بمبلغ مئة وعشرة ملايين دولار، وأنشأت المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، كما تستضيف المملكة المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب.

الحضور الكرام: إننا في المملكة انطلاقاً من موقعنا في العالم الإسلامي نضطلع بمسؤولية خاصة وتاريخية، تتمثل في حماية عقيدتنا الإسلامية السمحة من محاولات التشويه من التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة، فالدين الإسلامي الذي جعل جريمة قتل نفس بشرية واحدة مساوياً لجريمة قتل الناس جميعاً، هو بلا شك براء من كل الجرائم النكراء والفظائع التي ارتكبتها باسمه قوى الإرهاب والتطرف.

إن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، تجد بيئة خصبة للظهور والانتشار في الدول التي تشهد انقسامات طائفية، وضعفاً وانهياراً في مؤسسات الدول، وعلينا إن أردنا أن ننتصر في معركتنا ضد الإرهاب ألا نتهاون في مواجهة الدول الراعية للإرهاب والطائفية، والوقوف بحزم أمام الدول الداعمة لإيديولوجيات متطرفة عابرة للأوطان، وهي إيديولوجيات تسعى في كثير من الأحيان لتغطية تطرفها وطبيعتها الفوضوية التدميرية بشعارات سياسية زائفة.

الحضور الكرام: إن السلام في الشرق الأوسط هو خيارنا الاستراتيجي، وواجبنا ألا ندخر جهداً للعمل معاً نحو تحقيق مستقبل مشرق يسوده السلام والاستقرار والازدهار والتعايش بين شعوب المنطقة كافة، وتدعم المملكة جميع الجهود الرامية للدفع بعملية السلام، وقد طرحت المملكة مبادرات للسلام منذ عام 1981، وتضمنت مبادرة السلام العربية مرتكزات لحل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي يكفل حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما نساند ما تبذله الإدارة الأمريكية الحالية من جهود لإحلال السلام في الشرق الأوسط من خلال جلوس الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل وشامل.

وإننا إذ نتابع بقلق التطورات في ليبيا، وندعو جميع الأشقاء الليبيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، والوقوف صفاً واحداً للحفاظ على وحدة ليبيا وسلامتها، فإننا ندين التدخلات الأجنبية في ليبيا. كما نؤيد الحل السلمي في سورية وخروج الميليشيات والمرتزقة منها والحفاظ على وحدة التراب السوري.

كما أننا نقف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق الذي تعرض إلى كارثة إنسانية بسبب الانفجار في مرفأ بيروت، ويأتي ذلك نتيجة هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح مما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية، وإن تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء يتطلب تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح.

السيد الرئيس.. الحضور الكرام: إننا ندعو من هذا المنبر إلى تكثيف الجهود والعمل الدولي المشترك لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية في مجال التغير المناخي، ومكافحة الفقر والجريمة المنظمة، وانتشار الأوبئة، وغير ذلك من التحديات التي تستدعي تعزيز تعاوننا جميعاً للعمل نحو مستقبل مشرق، تعيش فيه الأجيال القادمة بأمن واستقرار وسلام.

أشكركم السيد الرئيس، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.