في عام 1999 كانت شركة السيارات اليابانية نيسان تتعرض لمخاطر الإفلاس بعد غرقها في ديون بلغت تقريبا 22 مليار دولار إثر التكاليف غير الموجهة، وإنتاجها من السيارات كان يعاني الكساد إثر عزوف وصد المستهلكين عنها لوجود البديل الأفضل، كان مجلس إدارة نيسان يقف عاجزا أمام كل هذه التحديات. ذهبوا يبحثون عن شخص ينقذهم من هذا الكابوس. فكانت أعينهم تراقب السيد كارلوس غصن الملقب بقاتل التكلفة، بعد نجاحه الكبير في خفض تكاليف شركة السيارات الفرنسية «رينو» وزيادة أرباحها وإعادة هيكلتها. تقدمت إدارة مجلس رينو بطلب لكارلوس غصن للقيام بمهمة المدير العام لشركة نيسان فوعدهم بالنجاح من أول خطة يضعها، وإذا لم يكتب النجاح للخطة الأولى فسوف يغادر هو وفريقه العمل فورا، وبالفعل كانت البداية عام 1999 اعتمد كارلوس كثيرا على قانون «خفض التكلفة»، قام بالعمل على ذلك وغير تصاميم السيارة. أذكر تماما سيارات نيسان عام 2000 عندما وصلت للسوق السعودي كيف اكتسحت الساحة، تصاميم وقوة جذبت عشاق سيارات نيسان من جديد، وخلال سنوات قليلة استطاع أن يحول نيسان من شركة مديونة على وشك الإفلاس إلى شركة قوية منتجة وأرباحها مثال لشركات السيارات بالعالم. تمت ترقيته خلال سنتين من مدير عام لنيسان إلى الرئيس ثم إلى الرئيس العام.
التخفيضات الصارمة في التكاليف التي انتهجها كارلوس في سياسته الإدارية كانت المساهم الأكبر في عملية النجاح. شركاتنا في السعودية، وحتى الجهات الحكومية تحتاج إلى سياسة تقليل التكاليف، وقد قالها وزير المالية في أحد تصاريحه «لا نحتاج رولزرايس.. كامري أو كورلا تفي بالغرض» كسياسة لمركز المشتريات الحكومي الموحد الذي يهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومي، حيث تقوم هذه الجهة بتجميع احتياجات الجهات الحكومية من سيارات وأجهزة وتشتريها بأكبر الكميات وبأقل التكاليف، وهي خطوة جبارة للنجاح.
الكثير من التكاليف التي أنفقناها في الماضي وحتى الآن كان من الممكن توفيرها لو انتهجنا سياسة خفض التكاليف. مدير الإدارة لا يحتاج إلى مكتب فاخر بـ100 ألف ريال، من الممكن تصميم مكتب عصري وحديث بمبلغ أقل من ذلك بكثير. والمهندس في شركة البترول لا يحتاج إلى سيارة ألمانية فاخرة للقيام بمهامه الميدانية، بل سيارة يابانية صغيرة تفي للقيام بكل تلك المهام، وينطبق ذلك على كل مشتريات القطاع الحكومي والشركات الحكومية والقطاع الخاص. العمل على تخفيض تكلفة التشغيل، وتخفيض تكلفة الشراء، وتخفيض الديون، يحتاج إلى شخص يقاتل التكاليف كما يفعلها كارلوس في رينو ونيسان، لا يمكن تحقيق ذلك دون وجود قائد يهتم بسياسة تخفيض.
القائد الذي يهتم بالجودة والإنتاج على حساب التكاليف مصيره الفشل لأنه سيقع في ورطة التكاليف غير الموجهة وغير المتحكم بها، وبالتالي ستنخفض الأرباح مهما كانت جودة المنتج أو الخدمة المقدمة، والتالي الإفلاس والخروج من السوق لشركات القطاع الخاص، أو تصبح عبئا ماليا على الحكومة إذا كانت وزارة أو هيئة حكومية.     
عملت لعدة سنوات في شركة حكومية كبرى، رأيت كيف كانت التكاليف العالية تهدر دون أي مسؤولية، مبان كبيرة غير مستغلة، مكاتب فاخرة لمديرين فاشلين، سياستهم غلق الأبواب أمام موظفيهم قبل المراجعين، سيارات فارهة لمهندسين ميدانيين لا فرق بينهم وبين خبراء «طفه وشغله»، ورئيس تنفيذي يهتم بالسلامة والجودة على حساب خفض التكاليف، حتى أصبحت الشركة تعاني ديونا وخسائر وسوء تشغيل وخدمات وعدم رضا من المواطنين. كان ستحدث نقلات هائلة في الشركة لو كانت تملك قائدا يقتل التكاليف كما فعلها كارلوس غصن.