المتابع لمؤشر الـGDP للصين مقارنة مع الدول الأخرى خلال السنوات الماضية، سيجد أن الصين قادمة بثبات وقوة وبشكل مخيف أيضا.
في عام 1992 كانت في المرتبة العاشرة بـ409 بلايين دولار، بعدها بـ3 سنوات فقط أصبحت في المرتبة السابعة بـ713 بليون دولار، لتتقدم في عام 2000 إلى المرتبة السادسة بأكثر من 1000 بليون دولار، وتجاوزت فرنسا في عام 2005 لتصبح في المركز الخامس بأكثر من 2000 بليون دولار، ثم قفزت قفزتين إلى الأمام بعد عام 2005 لتصبح في المركز الثالث بعد اليابان وأميركا في عام 2009 بمبلغ يتجاوز 4886 بليون دولار، ثم تجاوزت اليابان في عام 2010 لتصبح في المركز الثاني بـ6700 بليون دولار، وتصاعد الرقم بالسرعة المخيفة نفسها، حتى أصبح في نهاية عام 2107، «12238» بليون دولار أي أكثر بـ3 أضعاف من المركز الثالث اليابان التي تنازل مؤشرها ليصبح فقط 4872 مليارا.
خلال العقدين الماضيين، قفزت الصين من المرتبة العاشرة إلى المرتبة الثانية بفارق ليس بكثير عن الولايات المتحدة الأميركية التي تفوق الصين فقط بـ7000 بليون دولار فقط، وهذا الفارق سيتضاءل قريبا وقبل عام 2025 لو استمرت الصين على الوتيرة نفسها في النمو الكبير والهائل.
تزامن مع هذا النمو الكبير للاقتصاد الصيني مخاوف من سيطرة الصين على مفاصل السياسة في العالم، رغم أن الحكومة الصينية دائما ما تصدر تصريحات رسمية، تعلن خلالها أن نموها لا يمثل أي تهديد سياسي لأي دولة في العالم، بل إنها تسعى إلى الشراكة نحو مستقبل آمن مفعم بالسلام والاحترام، ولكن رغم ذلك يحذر كثيرون من الاستعمار الصيني للعالم تحت ستار الشراكة الاقتصادية.
ولكن في الحقيقة، حتى الآن، الصين لم يبدر منها أي تصرف سياسي يشير إلى مطامع سياسية في العالم، كل مبادراتها اقتصادية في المقام الأول، تفتح المجال لشركاتها للاستثمار في الدول النامية والدول المتقدمة، المشاريع الصينية تتزايد في إفريقيا، وفي الشرق الأوسط.
البناء والقطارات والصناعات النفطية والإنشائية، تكاد تكون كلها ملكا لشركات صينية بالشراكة مع الشركات المحلية لمعظم دول إفريقيا والشرق الأوسط، حتى في أوروبا أصبحت الشركات الصينية تنافس في الاستحواذ على تنفيذ المشاريع والتشغيل في كثير من المجالات.
بعد تفوق الاقتصاد الصيني الذي أصبح يقارع الاقتصاد الأميركي، تكثر المخاوف والتساؤلات: هل سترتدي الصين قبعة الإمبريالية العالمية، وتصبح ضابط شرطة الأرض الجديد؟ أم ستستمر على نهجها وسياستها نفسيهما في التركيز على التوسع الاقتصادي، دون محاولات لتدخلات سياسية تفرض بها نفسها على مجريات الأحداث في العالم؟
هل ستدفعها مخاوفها المستقبلية على مصالحها الاقتصادية، إلى انتهاج سياسيات تدخلية لحماية اقتصادها؟ أم ستسمو باستمرارها على سياسة حل الخلافات بالحوار والنقاش، كما تفعلها الآن مع الضرائب الجمركية، التي فرضتها على أميركا ولم ترد إلا بالمثل، وانتهجت سياسة التعامل بالمثل دون أي تهديد لأمن أي دولة، أو تهديد للاقتصاد العالمي، بل نجدها تدفع نحو دفع كل أثر سلبي ستخلّفه سياسية ترمب الجديدة، في فرض الجمارك على البضائع الصينية، ومحاولته الحد من نموها الاقتصادي.