ما نتطلع إليه مستقبلا، أن نجد مناطقنا -كجازان وغيرها- تعود إلى طبيعتها الخضراء الأولى، وهذا لن يكون إلا بتكاتف البرامج الحكومية الجادة مع المتطوعين من المواطنين
يحكي لي جدي دائما عن طبيعة جازان في قديم الزمان، حيث كانت المساحات الخضراء الشاسعة، المليئة بالأشجار والأعشاب الخضراء التي يغطي طولها الحيوانات، مثل الضباع أو «الجعار» كما يحب أن يسميها أهل منطقة جازان.
وأنا أتأمل كل هذه المساحات الصفراء الشاسعة المتصحرة، أشعر بالأسف لأننا أهملنا مكافحة التصحر، حتى أصبحت غاباتنا وأوديتنا مجرد امتداد للجفاف واليبس والاصفرار.
ألهتنا رفاهية النفط، والمال السهل، والحياة المدنية، والسيارات الفارهة، وتُهنا بين المدن الأسمنتية، وتركنا خلفنا قرانا وأوديتنا ومزارعنا، حتى زحف إليها كل هذا الإهمال، وتركها تجارة مجزية للحطابين.
قبل قدومي إلى الصين، كنت أعتقد أنها دولة الغابات، مثلها مثل دول شرق آسيا، ولا تعرف معنى كلمة الصحراء، ولكنها في الواقع رغم اتساع مساحات الغابات في كل أرجائها، وتمتعها بميزة الأنهار الكبرى، إلا أنها تحوي صحراء تاكليماكان التي تتوسع كل عام باتجاه الغابات، مُشكِّلة مساحة أكبر من مساحة ألمانيا، وهذا كان عام 2004، قبل أن تتدخل الحكومة لكبح جماح هذا التصحر.
قامت الصين في البداية بعمل برنامج حكومي لدعم المزارعين الذين يرغبون في الانتقال من مناطقهم المليئة بالأنهار إلى صحراء تاكليماكان، وبالفعل نجح البرنامج في جذب كثير من المزارعين الذين قدموا طمعا في الحصول على مميزات البرنامج المادية والمعنوية.
تدعم الحكومة الصينية مكافحة التصحر كمحاولة منها للحد من الصحارى التي تتوسع بسرعة 3800 ميل مربع في السنة، ويا ترى ما مقياس توسع الصحارى في مناطقنا الخضراء، مثل جازان قديما وجبال الجنوب، وغيرها من مناطق المملكة الشاسعة؟.
تشير الإحصاءات إلى أن الصين زرعت 42 مليار شجرة منذ عام 1989، وشكلت ألف جدار من الأشجار كطوق حول أكبر صحاريها، للحد من زحف الصحراء نحو الغابات.
وزارة البيئة والمياه والزراعة في السعودية لديها كثير من الخطط المستقبلية لمكافحة التصحر، فقد منعت الوزارة التحطيب، ورغم المعارضة الكبيرة التي وجدتها الوزارة من تجار الحطب، إلا أن الوزارة مضت في قرارها، لإيمانها بأهمية المحافظة على ما تبقى لدينا من الأشجار المتناثرة وسط الصحاري والجبال، وقبل عدة أشهر افتتح الوزير ورشة لمكافحة التصحر، حضرها 50 خبيرا من مختلف المراكز والمنظمات والجهات المتخصصة الدولية والمحلية، لبحث أفضل الممارسات العالمية والفرص المتاحة، لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، والزراعة المحلية، والإدارة المستدامة للمراعي والغابات في المناطق الجافة بجميع أنحاء العالم، خلال عرض الوضع الحالي للعمل والتطورات الجارية والأفكار، وتحديد الاتجاهات المستقبلية، وهذا هو ما نتطلع إليه مستقبلا، أن نجد مناطقنا -كجازان وغيرها- تعود إلى طبيعتها الخضراء الأولى، وهذا لن يكون إلا بتكاتف البرامج الحكومية الجادة مع المتطوعين من المواطنين، لمكافحة التصحر وإحياء النطاق الأخضر الذي يجعلنا نبتعد عن كآبة الصحراء المصغرة ذات الرياح الترابية.