بين الفينة والأخرى تظهر لنا قضايا اجتماعية أو سياسة أو اقتصادية تلهب وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على حد سواء، وترتفع فيها حدة ونبرة الانتقادات ولغة الخطاب، ونجد المؤيد والمعارض والمحايد والموضوعي في الطرح لتلك القضايا، كما نجد فئة أخرى تفضل الصمت وعدم الولوج في مثل هذه القضايا، وكل شريحة وفئة لها مبرراتها وقناعاتها التي تدفعها للأخذ بهذا الرأي أو تركه، ولكن هذه الآراء على اختلاف توجهاتها نجدها تتحد وتنسجم وتتوافق عندما يمس الأمر الجانب الوطني والوحدة الوطنية، فالمواطنة في مجتمعنا ليس منهجا يدرس ويحفظ في المؤسسات التعليمية، أو رسالة تناقش وتمنح بها شهادة، وإنما تعتبر المواطنة قيما متجذرة، ومعتقدا راسخا وإرثا يفتخر به، وسلوكا يمارس باعتزاز لينتقل من جيل إلى جيل، فهذا الوطن هو منزلك الأول الذي تنتمي إليه، وإن غرك زخرف القول بالأوطان الأخرى، إن ترسيخ مفهوم المواطنة كسلوك يمارس يحتاج إلى أدوات ووسائل، إضافة إلى تلك الوسائل المؤسسية من مدرسة ومنزل وجامع وغيرها، ولعل من بين هذه الأدوات المهمة في نظري الإعلام ووسائله المتنوعة، فيمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بدورها الفعال في مناقشة جميع تلك القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع، وتؤثر تبعا لذلك على استقراره، فجيربنر (Gerpner) يعتقد أن المشاهدة المكثفة للوسيلة الجماهيرية تفضي إلى غرس وصقل قيم بعينها لدى المتلقي. وهذا يجعلنا على يقين بقوة وسائل الإعلام في المحافظة على قيم المجتمع إذا ما شعرت الدول بعدم استقرار تلك القيم.
 كما أن وسائل الإعلام هي التي تستطيع خلق مجتمع متجانس، وأكثر ترابطا، هذا الدور الذي يقوم به الإعلام، وتلك الحاجة يشكلان ركني الوظيفة الإعلامية في حمل الرسالة إلى المواطن، فإذا تمكن الإعلام من القيام برسالته في المجتمع يكون قد ساهم إلى حد كبير في توفير الاستقرار الاجتماعي الذي ينشده المواطنون كافة، وبالتالي يمكن القول بأن المواطنة مرتبطة إلى حد كبير بمقدرة المواطن على استيعاب معطياته ومتطلباته والمشاركة في توفيرها، هذه مؤهلات تنمو مع نمو الشخصية والحس الوطني وبالتالي المواطنة الحقيقية.
إن التربية السياسية في أمة من الأمم هي محصلة النظام التربوي في اتصاله بتنمية الشعور بالانتماء إلى الوطن وترابه، وتراثه، وبالمسؤولية الوطنية للفرد والجماعة على السوء. ولذلك تعتبر وسائل الإعلام مجالاً ثريا لتزويد المجتمع بكم من المعارف والمدركات، وذلك من خلال البرامج التي تبث بشكل يومي، فهذه البرامج تعتبر بمثابة الموجهات لاستثارة قدرة المجتمع المعرفية، بل وتدعم لديه القدرة على التفاعل الاجتماعي وخلق المواطنة الصالحة، إذن فالإعلام أساسي لتكوين وتشكيل المواطنة، ذلك أن احترام المواطن لوسائل الإعلام ينعكس على اتجاهاته نحوها، واحترام الإعلام لوعي المواطن وعقله ينعكس على اهتمامه بتطوير المهنية.
فالمعلومات التي يتلقاها المواطنون لا بد من أنها تشتمل على عناصر تدعم المواطنة لدى المجتمع وتغرس فيهم روح الانتماء، لذلك تستخدم وسائل الإعلام بصفة عامة للربط بين الأفراد بعضهم البعض، كما أن لها دوراً في اكتساب المعلومات والمعارف، وتشبع وسائل الإعلام بعض الاحتياجات الاجتماعية مثل الترابط القوي. بأفراد الأسرة والأصدقاء وأفراد المجتمع الآخرين. فهي الجسر الذي يكتسب به المجتمع بعض الفضائل المدنية والحوار العقلاني للمواطن الصالح في مجتمعنا.
 إن غرس القيم الصالحة والسلوك الإيجابي والخلق النبيل عند المجتمع لن يتم بدون تدريبهم على أساليب الحوار وعادات المواطن الصالح. كما يمكن أن يلعب الإعلام دورا في تدعيم المواطنة من خلال تنمية مشاعر الولاء للوطن، والعمل على غرس القيم الدينية والوطنية والقومية والسلوكية، وبناء الشخصية التي تدين بالولاء، مع إفساح المجال للمجتمع للإسهام الإيجابي في المشروعات الوطنية التي تخدم البيئة المحلية، وتسليط الرأي العام بقضايا المجتمع ومقترحات حلها، ومساعدة المجتمع في التعريف بواقع وطنه وتاريخه وأمجاده وتنمية الوعي بالحضارة. كما تقوم وسائل الإعلام بوضع حملات إعلامية تبين فيها تكافل المجتمع وترابطه سواء أكان هذا التلاحم داخل المجتمع، ولعلي أشيد بالحملات الإعلامية للتبرعات التي قامت بها المملكة العربية السعودية لكثير من الدول على مر السنوات الماضية والحاضرة، هذا النوع من التكافل الوطني للقضايا يهم شأن المجتمع بأكمله ويتم تسليط الضوء عليها، إن الإعلام لا بد من أن يجعل المواطن شريكا في تبليغ رسالته إلى العالم بكل لغاته، والاعتزاز بالأعمال التي تنم عن عادات هذا المجتمع الأصيل، كما أنه لا بد من زرع وغرس قيم المواطنة في المجتمع، فإنها تترجم نتائج تلك المواطنة من خلال ما تبثه من برامج تتناول فيه حرية الرأي في المجتمع والتعبير عنه، لقد اهتمت دول بخلق روح المواطنة في المجتمع من خلال وسائل الإعلام، ولعل كوسوفا بعد الحروب التي خاضتها عام 1991 ركزت على الصحافة لخلق نوع من الوحدة الوطنية، والمناداة بشعارات تجمع بين جميع أفراد المجتمع ونبذ جميع الشعارات التي قد تعوق الوحدة الوطنية بين جميع الأحزاب المتواجدة، كما تعد بريطانيا من أكثر الدولة التي ركزت على المواطنة في وسائل الإعلام، وعدم المساس بعناصر المواطنة والديمقراطية التي قد تعوق التنمية وتسبب نوعا من الاضطرابات والاحتجاجات، على الرغم من حرية الصحافة لديهم وتنوع التركيبة السكانية لديهم.
كما أن لوسائل الإعلام دورا سلبيا في تهديد نسيج المجتمع وترابط الوحدة الوطنية، وذلك إذا ما قام هذا الإعلام على نعرات قبلية أو حزبية أو طائفية، أو صنع دراما تشوه التاريخ الحقيقي للمجتمع، فتغيب مصلحة الوطن وتقل قيمة الولاء للوطن التي تعتبر أحد مرتكزات قيم المواطنة، وأيضا لا بد أن يعي الإعلام والقائمون عليه أن الجمهور الذي يتابعه ليس داخليا فقط، وإنما من جميع العالم ولأهداف مختلفة بذلك.