إن ظاهرة التغير الاجتماعي والاقتصادي ظاهرة حتمية وملموسة لدى الباحثين الاجتماعيين والاقتصاديين والمهتمين بهذا الشأن، أيا كان تخصصهم، وهي تمثل حركة دائمة ومستمرة دون توقف للمجتمع، ولكن لكل تغير اجتماعي أو اقتصادي محركات تغيير قد تنبع من المجتمع نفسه، وقد تكون من خارج المجتمع، فالمجتمعات الواعية لهذه الحقيقة، والتي تعلم أن حدوث التغير لن يسير تلقائيا دون توجيه واع، وإنما يتم وضع خطط لها وأهداف قصيرة وبعيدة المدى، فهو إذًا تغيير مقصود وإرادي، وأصبحت المجتمعات في العصر الحاضر تستحدث المناهج والوسائل لتوجيه عملية التغير نحو إحداث وتحقيق التنمية بوجه عام، وهذا يستدعي تحديد أساليب ومحركات التغير للمجتمع للوصول إلى الأهداف المخطط لها مسبقا.
ومن بين محركات التغير التي ينبغي لمؤسسات المجتمع الاهتمام بها، الإعلام ووسائله ومضامينه وأدواته التقليدية والحديثة.
فالمجتمع بجميع أطيافه وفئاته وجميع الأعمار، أصبح يتلقى كثيرا من المعلومات التي قد تشكل لدى المجتمع تشوهات فكرية نحو المجتمع، خاصة إذا كانت من جهات لها أجندة أو لها مقاصد ذات أغراض سيئة، أو بسب سوء الفهم وقصر النظر، أو قد تشكل إثراء معرفيا يخدم في بناء المجتمع وتطوير مؤسساته، وتهيئة أفراده نحو مستقبل أفضل.
إن وسائل الإعلام ليست بالضرورة الأدوات التي يتم استخدامها لنقل الأفكار والآراء والاتجاهات، وإنما قد يكون الأشخاص أنفسهم الذين يمارسون نقل أفكارهم وتجاربهم، فهم أشبه ما يكونون بقنوات فضائية ذات محتوى مختلف، من ناحية الطرح والتوجه، ويكون كل شخص من المجتمع يملك «ريموت» التنقل بين قنوات الأفكار، خلال جهازه الذي يحمله في يده.
إن الأشخاص الذين يعتبرون كقنوات جماهيرية على المجتمع، تأثيرهم لا محدود. فالجمهور الذي يستسلم بطبيعته تحت تأثير كل المحرضات الخارجية، يعكس متغيراتها التي لا تتوقف. وبالتالي فهو أسير للتحريضات التي يتلقاها، والفرد المعزول يمكنه أن يخضع للمحرضات نفسها المثيرة، كالإنسان المنخرط في الجمهور، ولكن عقله يتدخل ويبين له مساوئ الالتحاق بهذه الأفكار، وبالتالي لا يؤيدها.
ويمكننا أن نحدد فيزيولوجيّا هذا الأمر، بأن الفرد الذي ليس مع المجتمع يمتلك الأهلية والكفاءة للسيطرة على ردود فعله، في حين أن الجمهور لا يمتلكها، وبما أن الإعلام ووسائله وأدواته هو محور حديثنا، وهو يخاطب جمهورا متنوعا، وبالتالي من السهل التأثير فيه، وباعتباره أحد عناصر محركات التغير، ففي اعتقادي أن مؤسسات المجتمع المهتمة بإستراتيجية التغير، لا بد لها من خطوات من شأنها أن ترسم خارطة طريقة للتغير المنتظم، وهي أولا: لا بد أن تخلق المواد الإعلامية والمضامين والمحتوى التي تفيد بناء المجتمع، وتقوده نحو التغير المنشود من جميع المؤسسات التي تخاطب المجتمع، وألا يكتفي بخطاب إثبات أو نفي إشاعات، وإنما تكون مبادرة من الجهة نفسها لما سيتم، وما الخطط، فالمجتمع بطبيعته متعطش للمعلومات.
 ثانيا: أن يكون لأصحاب الآراء والاتجاهات والأفكار ومن يغردون بأفكارهم بوصلة ذات هدف واحد، وهو التنمية وخلق روح الإبداع والابتكار للمجتمع، وعدم خلق روح الانهزامية وجلد الذات، وأن يكون ما يغردون به محفزا لمجتمع منتج.
وأخيرا، فإن محركات التغير كثيرة، ولكن أهمها الجانب الإعلامي الذي يعدّ بمثابة الأرضية التي تهيئ المجتمع للنهوض والتجديد، وتسهم في بناء مستقبل بلده، ولا أقصد بالجانب الإعلامي هنا الأدوات، وإنما الرسائل الإعلامية التي تصنع ذات المحتوى المعزز لقيم المجتمع، والطامح إلى تغير المجتمع نحو الأفضل، وأن يكون متطورا وأنموذجا يحتذى به في دول أخرى.