لو وجد نظام الملالي طرقا أخرى يحقق بها أطماعه فسوف يتخلى عن دعم عصابات الحوثي إن لم يسع للقضاء عليها، وهو الآن يبحث له عن تنظيم إرهابي بديل
المدن تحتفظ بذاكرتها لترويها للأجيال جيلا بعد آخر، حتى وإن غابت بعض الشواهد التي تدعم ما احتفظت به من أحداث إلا أن الزمن وعبر دورته يكفل لها تكرار ما حسبته انتهى، خاصة إذا ارتبط الحدث بطاغية لأنه لا بد أن يكرر نفسه في أحفاده، والحضارات الإنسانية التي قامت على أرض الجزيرة العربية على عظمها ومكانتها لم تسلم من وجود قادة طغاة، كانت وسيلة القتل والنهب والإبادة بكل أشكالها هي منهجهم، ومن أولئك آخر ملوك حمير والذي غزا نجران 524م وطلب من أهلها التحول عن الديانة النصرانية إلى اليهودية، وعندما رفضوا حاصرهم وأسر بعضهم وأحرق البعض الآخر في حادثة مهولة خلدها التاريخ وجاءت قصتها في سورة كاملة من سور القرآن الكريم، لتبقى على مر الدهور حية في ذاكرة شعوب الأرض قاطبة وسكان أهل تلك الحاضرة (رقمات أو الأخدود أو نجران) إلى أن تقوم الساعة.
وقبله غزا العديد من ملوك اليمن المدن القريبة منهم في جنوب الجزيرة ولم يقل بطشهم عن الحفيد «ذو نواس»، واستمرت الممالك في توريث صفات الطغيان لبعض أبنائها، ليتكرر العدوان في فترات لاحقة، ولا يكون أقل من السابق في عملية القتل والنهب والتخريب، ولا زال بعض أبناء المملكة في المناطق الجنوبية الكبار في السن خاصة يروون قصصا مرعبة عن تلك الاعتداءات، نعم يربط الشعبين السعودي واليمني علاقة جوار، والمملكة هي من أكثر الدول وقوفا إلى جانب اليمن، ولم يسجل التاريخ أن بادرت بالعدوان إلا أن لكل قاعدة شواذ، ومع الأسف «ذو نواس» ورّث طغيانه لتحمل رايته السوداء من بعده فئة إرهابية لا تفرق بين أخ أو جار، منساقة للدمار تحت تأثير أمجاد زائفة زينتها لهم عقولهم المغيبة عن الواقع الذي تعيشه بلادهم، وشعبها الذي كان في زمن ما من أكثر شعوب الأرض حضارة، لكن مع الأسف انتهى ذلك الإرث العظيم على يد العصابات الحوثية المتطرفة، والتي تتعاون مع الشيطان في سبيل القضاء على اليمن وشعبه، ولأنها اعتنقت منهج التطرف والإرهاب فإنها لن تتوانى عن العدوان، ولو كانت حريصة على أرض اليمن ومقدراته لما استمرت طوال هذه المدة تمارس البطش في الداخل ضد اليمنيين والعدوان في الخارج ضد جيرانهم، متحالفة في ذلك مع الدولة الأكثر عدائية للإنسانية والتي تسر وتجاهر بحقدها وكراهيتها للعرب تحديدا، وما تعاون معها منهم إلا كل خائن وإرهابي، والواقع يثبت ذلك في اليمن وسورية ولبنان، وعلى طوال فترة العدوان والتحالفات الإرهابية لم تجن تلك العصابات المتآمرة إلا دمارا وتشريدا لشعوبها، وكل الوعود ذهبت أدراج الرياح، ولو وجد نظام الملالي طرقا أخرى يحقق بها مصالحه وأطماعه فسوف يتخلى عن دعم عصابات الحوثي إن لم يسع للقضاء عليها، وهو الآن -ولا شك في ذلك- يبحث له عن تنظيم إرهابي بديل، لأن ميليشيات الخونة لم تحقق ما يطمح له، وهزيمتها باتت وشيكة بإذن الله، والدليل كثافة الصواريخ التي تطلقها على مدن المملكة، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية التي يجب أن تطبق في حق هذه الجماعة ومن يقف وراءها، لأنها لا تهدد أمن دولة واحدة بل تهدد سلاما دوليا شاملا.
ولو عدنا إلى ذو نواس ومحرقته فهي في نهاية الأمر لم تحقق له مأربه وظلت الحاضرة وأهلها على مبدئهم، وهكذا هو إنسان هذه الأرض، أصيل بأصالتها وصلب بصلابتها، لا تخيفه تلك المناوشات التي تقوم بها جماعات الحوثي وتدعي كذبا أنها حققت من ورائها انتصارات وخلفت أضرارا، نهجها الدائم هو الكذب والخيانة، ونهجنا هو الوفاء بالعهود والولاء للوطن وقادته.
وللأعداء تجارب عديدة معنا ويعلمون جيدا كيف كانت النهايات، عدم تمكينهم من السيطرة على شبر واحد من أرضنا، وإن كانوا أصحاب ممالك في سابق عهدهم وتراجعوا مدحورين يجرون الخيبة، فهم اليوم شرذمة وسيلتها الهذيان بالكذب بما لن تستطيعه، ووسط ما تفعله هي تعيش الأمية التقنية التي تنقل للعالم الأحداث على حقيقتها، وما يبثه أعلامها من أكاذيب دليل قوي على أن تلك الجماعة تعيش جهلا مركبا يضاف إلى نهجها المتطرف، ومن هم بهذا المستوى من الجهل لا يفيد معهم إلا المعاملة بالمثل. ولكل من لا يعلم حقيقة ما يفعله عملاء إيران على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، أنهم يحاولون الاعتداء والدخول إلى ما بعد الحدود المرسومة بين المملكة واليمن، وهنا ليس للمملكة إلا الدفاع عن أرضها ومطاردة فلول جماعة الحوثي ومن يدعمها إلى أبعد مدى، وهذا الأمر لم يستوعبه البعض، وهو أن المملكة تدافع عن أرضها وسيادتها قبل كل شيء، وتساند من يبحث عن وسائل لإنقاذ اليمن وشعبه ضد هذه العصابة، وهذا الأمر مسؤولية جميع الدول العربية الساعية للسلام في الشرق الوسط، لتقف مع التحالف العربي ضد الحوثي ومن يقف معه في خانة دعم الإرهاب، ليقتل ويشرد الشعوب العاجزة عن حماية نفسها.