لا بد أن يعيد أبطال ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي القوالب النمطية التي نحملها في رؤوسنا حولهم، وأيضا الصور النمطية التي هم يسهمون في بنائها عن مجتمعهم

الملايين من التغريدات والسنابات اليومية والملايين من المتابعين بشكل يومي لمشاهير وسائل التواصل الاجتماعي (social media) سواء كانوا سياسيين أو مثقفين أو شعبويين أو غيرهم فضاء من الحريات المطلقة، وبالتالي مفردات ومعلومات ضخمة تشكل وتعيد الصور النمطية عن المجتمع أيا كانت، فالصورة النمطية أو التفكير النمطي هو التفكير الذي يتبعه الشخص أو الأشخاص اعتمادا على الأفكار الجاهزة، فهؤلاء المشاهير يقدمون ويصنعون أفكارا جاهزة لخلق صورة نمطية عن المجتمع، وبعضهم للأسف الشديد غير واع بالدور الذي يقوم به أو قد يتسبب فيه من خلال ما يقدمه من تشكيل وخلق صورة نمطية عن المجتمع قد تكون سيئة وتختزل لدى شريحة كبيرة من المجتمع مستقبلا، وحقيقة فإن رؤيتنا للأشياء وفقا للصور المخزنة مسبقا أفضل وأقل إرهاقا من رؤيتها بشكل تفصيلي وبالطريقة التي هي عليه، فقد كتب البروفسور الراحل هوجو مونستربيرغ (Hugo Munsterberg) كتابا شعبيا حول هذا الموضوع، يسمى «موقف الشهود»، والذي أظهر خلاله أن الصور النمطية المختزلة عن أمر معين لن تتغير حتى وإن كانت الحقيقية مغايرة لذلك، لأن بناء القوالب وإعادة تعديلها ليس بالأمر السهل، وأوضح أن الكثير من الحقائق التي نتحدث عنها في مستوى الوعي هي صناعة منا، مما يجعل شهاداتنا التي ندلي بها كمراقبين انتقائية، والتقرير هو النتاج المشترك للمعرف والمعروف.
إن عملية التحديد والتمييز للأشياء تعتمد على الشخص القائم بها، وحقيقة فإننا على الأغلب لا نرى الشيء ثم نحدده، بل نقوم بتحديد الشيء ثم نراه. فبعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي يكون هدفه من بناء المحتوى الإعلامي الخاص به في المرحلة الأولى ليس صناعة جيل معرفي يقوم على التفكير التحليلي والنقدي البناء أو الابتكار، وإنما الهدف هو كسب الجمهور بأي طريقة وبأي أسلوب، فهو مكيفلي الطرح، فالغاية تبرر الوسيلة، ويكون ذلك من خلال طرح جوانب هزلية ركيكة تصل إلى حد خدش الذوق العام في بعض الأوقات، وتداعب العواطف لمحاولة كسبها، فهو يحاول طرح ما اختزل لديه من تأثير وسائل الإعلام على تفكيره في تصوير نفسه أو مجتمعه بشكل هزلي ومحبط وجلد للذات بدلا من الاعتزاز والافتخار بالذات، وبالتالي يعزز الصورة الذهنية من حيث لا يدري حول التصور النمطي الذي بني عن مجتمعه وأبناء جلدته، فالصورة النمطية هي مرحلة لاحقة من مراحل تكوين الصورة الذهنية لدى الإنسان.
إن الصورة المتحركة التي قامت بها وسائل الإعلام تبني الصور التي يتم استحضارها بعد ذلك بالكلمات التي يقرؤها الناس في تغريداتهم وفي صحفهم وفي تعليقاتهم. لقد كان هناك هاشتاق ضد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي
(social media) بحجب متابعتهم من قبل المجتمع، ورغم أني مؤمن بأن هذه الطريقة هي وسيلة لزيادة متابعيهم بدلا من التوقف عن متابعتهم، وهذا ما ذكره بعضهم، فمن وجهة نظري كان الأفضل أن يكون الهاشتاق # كونوا سفراءنا # والهدف من ذلك كيفية تحويلهم بأن يكونوا ممثلين لمجتمعنا، وكيف يكونون سفراء لنا حول العالم؟ كيف يكونون مسؤولين عما يكتبون وما يقدمون كيف يكونون مؤثرين إيجابيين، وليس مؤثرين سلبيين؟ كيف يكونون متطوعين للأعمال الاجتماعية، كيف يسهمون في صناعة فكر؟ كيف يعززون قيم هذا المجتمع؟ كيف يغيرون الصورة النمطية التي تشكلت عنهم بأنهم فارغون وسطحيون، فهم ليسوا غرباء، هم أبناؤنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا، ففي اعتقادي أنهم لن يتوانوا عن ذلك.
إن الحياة الحديثة متسارعة ومتعددة الأوجه، وفوق هذا كله فقد فصلت المسافات الأشخاص الذين عادة ما يكونون في حالة من الاتصال الحيوي مع بعضهم البعض. فليس هناك وقت، فلابد أن يعيد أبطال ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي القوالب النمطية التي نحملها في رؤوسنا حولهم، وأيضا الصور النمطية التي هم يسهمون في بنائها عن مجتمعهم، فتغريداتهم وسناباتهم أكثر انتشارا، وهي تلك التي تخلق وتحافظ على مجموعة من القوالب النمطية.
لقد قيل لنا عن العالم قبل أن نراه، ونحن نتصور معظم الأشياء قبل أن نواجهها. وهذه الأفكار المسبقة كما لم يجعلنا التعليم مدركين تماما، نحكم عميقا عملية الإدراك برمتها. فهم يميزون بعض الأشياء على أنها مألوفة أو غريبة، مع التأكيد على الفرق، حتى إن المألوفة قليلا ينظر إليها على أنها مألوفة جدا، والغريب إلى حد ما يَنظر إليها كأنها غريبة بشكل حاد. فعليا هناك اتساقات دقيقة بما فيه الكفاية في المحيط حولنا، والحاجة إلى تقصير الاهتمام أمر لا مفر منه.