الاقتصاد الصيني لو استمر بنفس وتيرة النمو فإنه سيتجاوز الاقتصاد الأميركي في سنوات قليلة، وهذا هو ما تخشاه أميركا التي ظلت لقرون تهيمن على الاقتصاد العالمي

الأسبوع الماضي رفع أحد زملائي الأجانب في فصل دراسي مليء بالطلاب الصينيين يده مستفسرا من المعلم عن معنى كلمة صينية كتبها أثناء شرح الدرس على السبورة، وعندما أخبره الأستاذ بأن معناها «شرارة»، لم يفهم الطالب معناها، وطلب من المعلم أن يضعها في جملة لتقريب المعنى، فقال المعلم: (انطلقت «شرارة» الحرب الصينية الأميركية)، بمجرد أن ذكر المعلم هذه الجملة حتى اتجه الزملاء في الصف لمناقشة موضوع فرض الولايات المتحدة ضريبة على الواردات الصينية، وتأثير ذلك على الاقتصاديين الأميركي والصيني، بل وعلى الاقتصاد العالمي، هذا النقاش الذي دار في فصلنا الدراسي هو أيضا المادة الأساسية للإعلام والصحافة الصينية منذ إعلان البيت الأبيض توقيع مذكرة لفرض الضرائب على الواردات الصينية، ووضع حواجز جمركية على الصين بلغت قيمتها 60 مليار دولار.
هذه الحرب الباردة كانت بدايتها عام 2016 عندما وعد ترمب أثناء الانتخابات الأميركية بأنه في حال فوزه بكرسي الرئاسة في البيت الأبيض فإنه سيفرض ضريبة 45 بالمئة على الواردات الصينية، متهما إياها بأنها سرقت الوظائف من سوق العمل الأميركي، وأنها السبب الرئيس لمشكلة الاحتباس الحراري. إلا أنه كانت ردة فعل الصين في ذلك الوقت بتصريح من وزارة خارجيتها بأنها مستمتعة بمتابعة الانتخابات الأميركية، وأن تصريحات ترمب مسلية، ولكن بعد فوز ترمب وزيارته للصين العام الماضي دون على حسابه في تويتر: «أتطلع لعلاقات أكثر قوة مع الصين، وأشكر الرئيس الصيني على الاستقبال المدهش».
كنت أعتقد بعد هذه التغريدة بأن ترمب سيتناسى ما وعد به أثناء الانتخابات بأنه سيفرض مزيدا من القيود الجمركية على الواردات الصينية، وأنه سيتعامل مع القوى الصينية بطرق مرنة تضمن سلامة واتفاقيات التجارة العالمية، ولكن لم تمض شهور قليلة حتى فاجأ المجتمع العالمي والاقتصادي بفرض قيود جمركية معقدة للحد من الواردات الصينية، أو محاولة مساواة تكلفتها وأسعارها النهائية على المستهلك بأسعار المنتجات الأميركية.
في الحقيقة السوق الصيني أقصى الشركات الأميركية من الدخول إليه، لم تسمح لشركات كبرى مثل جوجل، وفيسبوك، وغيرهما الدخول إلى السوق الصيني رغم محاولات عدة، بل إنها حتى عندما صرحت لشركة الهواتف الذكية آبل بتصنيع أجهزتها في المصانع الصينية، سمحت لها بذلك لفتح المزيد من الوظائف لشعبها الصيني، ولكن عندما حاولت شركة آبل استغلال تواجد مصنعها في الصين باستهداف شريحة المستهلك الصيني إلا أنها وجدت نفسها يوما بعد يوم تزداد التحديات أمام استثماراتها، التحديات التي تواجهها شركة آبل في الصين تجعلها تخسر ما يقدر بـ26% من نسبة مبيعاتها السنوية، خاصة أن الصين تعد أكبر سوق سريع النمو لمنتجاته، دخلت في منازعات قضائية حول حقوق ملكيتها لشعارها الشهير مع شركة صينية استغلت علامة آبل لبيع منتجاتها حتى خرجت منه شركة آبل بخسارة بعد سنوات من المحاكمات القضائية، وفرضت عليها الصين قانونا يلزم بتخزين كل المحتويات المعروضة في الصين على خوادم مقرها في الأراضي الصينية، وهو ما فرض على آبل إغلاق خدمات «آي بوكس» و«آيتيون» في الصين، وكانت ضربة قاضية لشركة آبل دفعت الملياردير كارل إيكان المستثمر في شركة آبل إلى بيع كل أسهمه في الشركة بسبب مخاوفه من مستقبل آبل في الصين.
في المقابل نجد شركات الهواتف الصينية مثل هواوي وغيرها تكتسح السوق الأميركي دون أي قيود مشابهة لما تعرضت له آبل في السوق الصيني. شركة أوبر أيضا تعرضت لمضايقات داخل السوق الصيني حتى أعلنت بيع حصتها لشركة «ديدي» الصينية، وخرجت من السوق الصيني بعد خسائر بالمليارات، بينما نجد شركة ديدي الصينية تتواجد في السوق الأميركي دون أي تعقيدات مثل التي واجهتها شركة أوبر.
وخلال السنوات الماضية نجد انحسارا للشركات الأميركية في السوق الصيني الذي يعد من أهم وأكبر الأسواق المستهدفة بالنسبة لها، بينما تزداد الشركات الصينية نموا في السوق الأميركي وكل دول العالم.
أعتقد أن ردة فعل البيت الأبيض بفرض قيود جمركية على الصين هي المحاولة الأخيرة لوقف جماح نمو الشركات والمصانع الصينية، وبالتالي الاقتصاد الصيني الذي لو استمر بنفس وتيرة النمو فإنه سيتجاوز الاقتصاد الأميركي في سنوات قليلة، وهذا هو ما تخشاه الولايات المتحدة التي ظلت لقرون تهيمن على الاقتصاد العالمي، ولن تسمح للصين أو أي دولة أخرى باعتلاء هذا العرش بسهولة.
بعد ثلاثة أيام من توقيع ترمب فرض رسوم جمركية على مئات المنتجات القادمة من الصين، ووضع قيود على استثمارات الشركات الصينية، التقى وزير التجارة الصيني السيد تشونغ شان بوزير الخزانة الأميركية وقال له: «الصين لا تريد خوض حرب تجارية، لأنه لا فائز في هذه الحرب، لكنها أيضا لا تخشى من حرب تجارية».
أعلنت الصين أنها أيضا ستفرض ضرائب مرتفعة على 128 منتجا أميركيا كرد على قرار ترمب، وما الذي سيحدث من معارك تجارية بين الصين وأميركا؟ ومن الذي سينتصر؟ ومن المستفيد والخاسر الأكبر؟ هذا ما ستكشفه الأعوام القادمة التي أعتقد أنها ستكون مليئة بالتحديات لكلا البلدين.