الشاب السعودي عندما يعمل في أي شركة دون أي مهام وظيفية فإنه مهما طالت سنوات عمله فإن ناتج خبرته يساوي صفرا
خلال السنوات الأخيرة تطورت العلاقات السياسية والاقتصادية ما بين السعودية والصين، بشكل كبير ولافت للأنظار، وأصبحت المملكة العربية السعودية من أكبر مصدري النفط للصين، وأصبحت الصين من أكبر المصدرين للسعودية، قوة العلاقات بين البلدين ترجمتها الشراكات الاقتصادية والاستثمارية، حيث سمح للعديد من الشركات الصينية بالعمل في السعودية، شركات صينية تستثمر في عدة مجالات مثل البترول والبتروكيماويات، وبناء المساكن والتطوير العقاري، وإنشاء البنية التحتية والتنقيب، والتصميم، وخدمات الجوال والبنوك، وتوليد الطاقة وغيرها كثير من النشاطات وأسماء الشركات الصينية الضخمة التي بدأت العمل في السعودية.
هذه المشاريع الكبرى التي تقوم بها الشركات الصينية في جازان والجبيل وينبع والرياض وجدة والخبر وغيرها من مناطق ومدن المملكة، كانت بشرى خير لمزيد من فرص العمل للشباب السعودي، وخاصة خريجي الجامعات الصينية لإجادتهم اللغة الصينية، واستطاعتهم التأقلم مباشرة مع بيئة العمل الصينية بحكم احتكاكهم الطويل مع الشعب الصيني، وخاصة في المجالين التعليمي والتجاري، وبالفعل قام العديد من الشركات الصينية بالتواصل مع الطلاب السعوديين المبتعثين في الصين، تعرض عليهم عقودا برواتب ومميزات جيدة، رغم عدم وجود أي خبرة عملية لبعضهم إلا أن الشركات الصينية تنازلت عن متطلبات الخبرة مقابل إجادتهم للغة الصينية والشهادات الهندسية التي يحملونها في مختلف التخصصات، بعض الزملاء في مرحلتي الماجستير والدكتوراه طلبوا من جامعاتهم تأجيل الدراسة لمدة سنة للذهاب وتجربة العمل في الشركات الصينية، البعض منهم ألغى دراسته العليا من أجل استغلال الفرص الوظيفية المتاحة.
وهذا الشيء لم نره في عام 2009 وما قبله عند بداية دخول الشركات الصينية إلى السوق السعودي لتنفيذ المشاريع الحكومية والخاصة عندما لم يكن يشترط عليها نسبة للسعودة، كانت الشركات الصينية تدخل السوق السعودي بطاقم صيني كامل لا يوجد بينهم سعودي واحد، ولكن غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ عندما كان وزيرا للعمل فرض عليهم قانون سعودة الوظائف كشرط أساسي للدخول في المناقصات وتنفيذ المشاريع، ومن حينها قامت الشركات الصينية بفتح أبوابها للكوادر البشرية السعودية لتحقيق شرط تواجدها واستمرارها في السوق السعودي، أرقام التوظيف والإحصاءات تعكس للمسؤولين في وزارة العمل وغيرها أن الشركات الصينية قامت بتوظيف الكثير من الشباب السعودي، ولكن لو نزلنا إلى أرض الواقع الذي عايشته بحكم تواصلي مع الموظفين السعوديين الذين يعملون فيها فإن هذا التوظيف هو فقط لذر الرماد في العيون، توظف الشركات الصينية الحد المطلوب منها في الشروط دون تكليف الموظفين السعوديين بأي مهام سوى أن يكونوا متواجدين أثناء جولات وزارة العمل التفتيشية أو الجهات التي تشرف عليهم مثل أرامكو أو هيئة الجبيل وينبع الملكية، ويتم تهميشهم داخل بيئة العمل، لا يسمحون لهم بالاحتكاك بالمهندسين الصينيين، ولا يدمجونهم في فرق العمل الصينية، ولا يعتمدون عليهم في تنفيذ المشروع، ولا يمنحونهم الثقة، فأصبح تطبيق قانون السعودة فاقدا لمعناه الذي وضع من أجله، وهو من حل مشكلة البطالة، إلى مشكلة التوظيف الوهمي، أو البطالة المقنعة.
الشاب السعودي عندما يعمل في أي شركة دون أي مهام وظيفية فإنه مهما طالت سنوات عمله فإن ناتج خبرته يساوي صفرا، ويصبح مفتقدا للمهارة التي تؤهله للتطور الوظيفي، وتسلق مراتب الترقيات، وتقلد المراكز القيادية. ونجدنا كسوق سعودي دون قيادات وطنية استفادت من وجود الشركات الأجنبية في سوقها.
فقد قال غازي القصيبي الذي فرض السعودة على الشركات الصينية إن: «السلطة مهما كانت واسعة، لا تضمن تحويل القرارات إلى واقع ملموس»، ولذلك على وزارة العمل التوقف عن جولاتها التفتيشية لمراقبة سعودة الشركات الصينية أو غيرها، بل عليها البحث عن الطرق والحلول التي تشجع الشركات الأجنبية العاملة في السوق السعودي على تدريب كوادرها السعودية ودمجهم في بيئة العمل وإكسابهم الخبرات والمهارات وتحقيق الهدف الرئيس من قانون السعودة.