خطط التغيير ماضية إلى الأمام، ومطلوب منا مواكبة هذا التغيير بمنح الثقة لمن يتحمل مسؤولية ذلك العمل، وعدم التشكيك في أننا نستطيع التفوق على المدن السياحية الكبرى في العالم

لم تعد المهرجانات الثقافية أو الأنشطة في مجملها مجرد فعل للترفيه، بل أصبحت مواسم بهجة ننتظرها كل عام، حتى وهي تقام في مناطق معينة غير أن الرحال تشد إليها بغية التنفيس والفائدة أيضا، وخاصة ذاك الذي تتنوع فعالياته كمهرجان الجنادرية بقراه التراثية وما تضمه من حرف ورقصات شعبية، وبندواته الفكرية وأمسياته الثقافية. ومثل معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث الحشد الجميل لأوعية المعرفة ونوادر الأدب، إضافة إلى الأنشطة الثقافية المصاحبة والعروض المسرحية التي تقام على هامش المعرض. هذان الحدثان تجاوزا حدود الوطن ليصبحا من التظاهرات الثقافية الهامة على مستوى الوطن العربي، ربما البعض ممن لم تتح له فرصة حضور مثل هذه المهرجانات لا يدرك مدى روعتها وأهميتها في تقديم الوجه المضيء من حضرتنا وتراثنا للعالم، وفكرتها في دعوة دول صديقة لتكون ضيوف شرف في كلتا التظاهرتين تعد خطوة موفقة تنقل للعالم صورة صادقة عن تسامح ثقافتنا وانفتاحها على جميع الشعوب، ولاشك أن من يحضر من خارج المملكة سواء كان مدعوا أو زائرا سيفاجأ ليس بما يقدم فيها، وإنما بالتنظيم والتنسيق والتنوع الثقافي والتراثي والأدبي الذي تتميز به كل منطقة من مناطق المملكة، وهذا الأمر يساعد في إنعاش السياحة الداخلية والخارجية خصوصا، وعناصر الجذب الأخرى متوفرة سواء كانت جغرافية أو مناخية، والحقيقة أن هذا الجانب إن تم استثماره بشكل جيد فسيكون رافدا اقتصاديا وحيويا كبيرا، ولنا في المدن السياحية الكبيرة في بعض الدول خير مثال، حيث يعتمد جانب الجذب السياحي لديها على إقامة المعارض ومهرجانات التسوق والتي أصبحت عالمية بفضل الاحترافية التي تدار وتنظم بها تلك المهرجانات، وكيف استطاعت استقطاب أثرياء العالم ومشاهيره لإضافة نجاحات إلى برامجها، وزيادة في أعداد الزائرين، الذين يشكل السعوديون النسبة العالية منهم، ولن نستطيع القول إن سياحتها تعتمد على توفر الجمال الطبيعي أو الجو المعتدل، وإنما هي من أبدعت في إيجاد بدائل أخرى لا تقل جذبا عن أجمل الجزر والمزارات السياحية في أنحاء العالم، وما يتوفر لديها من عوامل جذب طبيعية تتوفر في مدننا الساحلية بشواطئها غير المستغلة أو غير المكتشف جمالها لافتقارها إلى المخططات التطويرية والاستثمارية التي تعي ما يبحث عنه السائح، غير ما يعانيه بعضها من سوء النظافة وإهمال للمرافق الموجودة والتي أصبحت مرتعا للبعوض وقطعان الفئران مع الأسف، ورافق الإهمال وعدم الصيانة غياب الحس الوطني والذوق العام لدى البعض ممن يتعمدون العبث بهذه المرافق، وترك مخلفاتهم وسط الحدائق وعلى الشواطئ في صورة مستفزة جدا، وهذه الفئة لا يردعها سوى القانون الذي تحترمه في البلدان التي تقصدها طلبا للاستجمام والمتعة، وتطالب أن يتوفر لها في الداخل ما تذهب بحثا عنه، وإذا كان الحال كذلك فهي مطالبة أيضا بالتحلي بنفس السلوكيات التي تلتزم بها خارجيا، لا ننكر أنه ينقصنا الكثير، لكن خطط التغيير ماضية إلى الأمام ومطلوب منا مواكبة هذا التغيير بمنح الثقة لمن يتحمل مسؤولية ذلك العمل، وعدم التشكيك في أننا نستطيع ليس مماثلة المدن الكبرى فيما أوجدته للسائح، بل والتفوق عليها كذلك، أيضا لابد أن تكون نظرتنا إيجابية للمستقبل، وأن ما نمر به من ظروف سيتغير حتما، لأن الملاحظ أن هناك نظرة سوداوية لدى البعض مع توقعات محبطة جدا، والواقع يقول إن ما نمر به يعد طبيعيا نتيجة للتغيرات الاقتصادية والإدارية التي تهدف إلى إحداث توازن وكشف التجاوزات التي أفرزت معظم المشاكل التي نعيشها الآن، ويجب أن ندرك حقيقية هامة، وهي أن تشجيعنا وتفاعلنا مع الحراك الثقافي والفكري والفني الذي نشهد خطواته الأولى الآن سيسهم بشكل كبير في إيجاد وسط اجتماعي متوازن يوفر للمواطن ما يحتاجه ليتعايش بسلام وتناغم مع ما حوله، نحتاج سلاما داخليا يخلو من الصراعات والضغوط الحياتية، وجانب الترفيه بشمولية برامجه سيوفر لنا بعض ذلك، شريطة أن تجد كل شريحة ما يناسبها بعيدا عن التركيز على جانب بعينه مسلمين أنه يناسب الكل، وربما يتحقق ذلك في المهرجانات والملتقيات ومعارض الكتاب لشمولية ما تقدم، غير أن غالبيتها تقام سنويا، وهنا لك أن تحسب الفترة الفاصلة، والتي يجب أن تنتظرها لتقام من جديد، هناك أنشطة تفعل غير أنها فئوية ومحدودة ولا تروي عطش المتلقي، بل بعضها سريع الأعداد والتنفيذ، وهذا لن يساعد في إيجاد حراك ثقافي وترفيهي فاعل، إذًا لابد من الأعداد الجيد وعقد نية الاستدامة طوال العام بأنشطة مختلفة، وقد يكون من الأفضل لو وحدت جهود وخطط كل من الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون وهيئة الترفيه للخروج في النهاية بجملة برامج وأنشطة جيدة وشاملة تقام طوال العام، هذا إذا كنا جادين في عملية إنعاش الساحة الثقافية وإيجاد حراك نوعي تستفيد منه جميع شرائح المجتمع، ويوحد جهود المؤسسات الثقافية عوضا عن الفردية في التنفيذ والمحدودية في الاستفادة تحت ذريعة تصنيف المتلقي إلى نخبوي وآخر بين البسيط والسطحي.