الترجمة من أهم وسائل التواصل بين الشعوب، ولعبت عبر التاريخ دورا مهما في نقل المعارف والعلوم، إلا أنه لا يوجد سوى طالب سعودي واحد يدرس الدكتوراه على حسابه الخاص في مجال الترجمة الصينية

تواصلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة مع أربعة ملحقيين ثقافيين في 3 دول مختلفة كان السؤال الذي أحرص على طرحه أثناء لقائهم عن دور الملحقيات الثقافية في ترجمة الأدب والتاريخ السعودي للغات الأخرى، ورغم أن الترجمة تعتبر من أهم أساسيات العمل الثقافي إلا أن إجابتهم كانت دبلوماسية ولا تجيب عما أريد الوصول إليه، لم يقل أحدهم نعم لدينا مشروع ترجمة، لم يقل أحدهم ترجمنا الروايات السعودية التي حصدت جائزة البوكر، ولم يجبني أحدهم بأنه تمت ترجمة الكتب التي تعكس التاريخ السعودي للغة الإسبانية أو الفرنسية أو الصينية أو للغة البلد الذي كلف فيه الملحق الثقافي.
وظل سؤالي هذا دون إجابة حقيقية حتى فاجأني الروائي عواض العصيمي بالإعلان أن المترجمة الفرنسية نتالي بونتان على وشك إنهاء ترجمة روايته «طيور الغسق»، وذلك ضمن مشروع الترجمة الذي تشرف عليه الملحقية الثقافية في السفارة السعودية بباريس، وأعلن أيضا أنه قد يقام معرض للكتب المترجمة خلال عام 2018 تحت رعاية وزارة التعليم التي تهدف إلى التعريف بالنتاج الأدبي والفكري السعودي، وإمداد القارئ الفرنسي والمكتبة الفرنسية بنماذج قيمة من المؤلفات السعودية السردية والفكرية للأقلام المبدعة.
ولا أعلم هل هذا المشروع هي مبادرة من الملحقية الثقافية في فرنسا، أم هي مبادرة من وزارة التعليم لتشمل كل الملحقيات الثقافية، وأتمنى فعلا أنها مبادرة شاملة ومشروع شامل لكل الملحقيات الثقافية لترجمة كتب الأدب والفكر السعودي لكل لغات الدول التي يوجد لديها ملحقيات ثقافية، ودفع الملحقيات الثقافية في كل الدول للعمل على هذا المشروع الذي يخرجهم من دائرة الانهماك في الإشراف على الطلاب المبتعثين وإدارة مصالحهم، إلى استغلال تواجد هؤلاء الطلاب في كافة دول الابتعاث للمساهمة في نشر الكتب المترجمة عبر جامعاتهم وعبر المراكز الثقافية في المدن التي يقيمون بها.
في الصين كمثال البلد الذي أدرس فيه لا يوجد للأسف أي ترجمات أدبية من العربية إلى الصينية، خاصة الأدب السعودي الحائز على جائزة البوكر، وهناك الكثير من الأعمال الأدبية السعودية التي تستحق الترجمة من العربية إلى الصينية ليطلع عليها القارئ الصيني، خاصة ونـحن في هذا العصر الذي تطورت فيه العلاقات السعودية الصينية بشكل كبير، بحكم الواقع الاقتصادي، نجد هناك فجوة كبيرة في مجال الترجمة الصينية العربية. ورغم أن الترجمة هي من أهم وسائل التواصل بين الشعوب، ولعبت عبر التاريخ دورا مهما في نقل المعارف والعلوم، إلا أنه لا يوجد سوى طالب سعودي واحد فقط يدرس الدكتوراه على حسابه الخاص في مجال الترجمة الصينية في إحدى المقاطعات الصينية، وطالب سعودي فقط يدرس الترجمة الصينية في مجال الماجستير أيضا على حسابه الخاص، وترفض وزارة التعليم ضمهما لبعثة خادم الحرمين بحجة عدم الحاجة للتخصص، ولم أجد من أحدهما أي اهتمام بمجال ترجمة الأدب، ويتركز اهتمامهما في ترجمة ما يتعلق بالمجال التجاري كالعقود، وخدمات الترجمة للوفود التجارية، وعليهما إقبال كبير من الغرف التجارية السعودية لكثرة الاجتماعات مع القطاعات الاقتصادية والشركات في الصين، ويحققان دخلا ماديا جيدا من هذا العمل، أما ترجمة الأدب فلا تحقق الدخل المادي في عالمنا العربي، بل تتطلب الصرف عليها من الجيب الخاص.
أتمنى صدقا أن أرى قريبا نتاج مشروع الترجمة الذي أعتقد أن وزارة التعليم التفتت له مؤخرا ومنحته بعض الاهتمام، وأتمنى أن تعلن عنه إذا كان ذلك ضمن مشاريعها لتطلع عليها دور النشر والكتاب والمثقفون السعوديون، ليبادروا هم أيضا بالاستفادة من هذا المشروع، وترشيح الأعمال الأدبية والفكرية والتاريخية التي يرون أنها تستحق الترجمة للغات المختلفة، لنخلق زخما ثقافيا طالما تمنينا أن نراه في الملحقيات الثقافية السعودية في الخارج.