حتى الآن لا نرى أن رجال المرور يعملون بشكل جدي للحد من ظاهرة استخدام الجوال أثناء القيادة
منذ بداية ظهور السيارات وانتشارها كوسيلة نقل، كانت هناك كثير من المخاطر التي تطرأ على هذه الوسيلة، ولكن أكبر المخاطر التي ظهرت حتى الآن، والتي ما زال رجال المرور والمهتمون بسلامة المرور يقفون عاجزين للحد من آثارها وحوادثها التي تتزايد بشكل غير متوقع، هو استخدام الجوال أثناء القيادة.
قامت الجهات الحكومية والقطاع الخاص بحملات توعوية كبيرة للتحذير من مخاطر هذا الاستخدام غير المسؤول أثناء القيادة، من أشهرها الإعلان التوعوي الذي يقول: «لا تتصل حتى تصل»، ولكن هذه التحذيرات تشبه التحذيرات التي توجد على علب السجائر «التدخين سبب رئيسي للسرطان»، لا أحد يلتفت إلى مثل هذه التحذيرات بل يتجاهلها متعمدا ويسخر منها، فقد أمضينا عقودا طويلة نحذر من خطر السرعة وقطع الإشارة، نشرنا كثيرا من صور الحوادث الشنيعة كعبرة، ونشرنا لقاءات مع شباب في عمر الزهور أصيبوا بشلل نصفي أو رباعي بسبب التهور والسرعة وقطع الإشارة، ولكن كانت الحوادث بسبب السرعة وقطع الإشارات تتزايد، لم يُحدّ منها ومن مخاطرها سوى القانون الحازم والرادع الذي طبقته وزارة الداخلية عبر نظام «ساهر» الذي بمجرد تطبيقه بدأت تنخفض نسب الحوادث بسبب السرعة وقطع الإشارات، ورغم أن نسبة الانخفاض حتى الآن غير مُرضية، إلا أنه لا يمكن مقارنتها بنسبة الحوادث قبل تطبيق نظام ساهر، فقد أثبتت دراسة قام بها مركز الملك عبدالله للأبحاث الطبية عن خفض نظام ساهر نسب الوفيات الناتجة عن الحوادث بـ37.8%، وكذلك نسب المصابين بالحوادث المرورية التي كان يستقبلها مستشفى الملك فهد بمدينة الملك عبدالعزيز بوزارة الحرس الوطني بـ20%.
وهذه الدراسة تثبت أن القانون الصارم مثل قانون «ساهر» هو الحل الوحيد لإنقاذنا من تهور بعض السائقين الذين يستخدمون الجوال أثناء القيادة، فقد أثبتت إحدى الدراسات أن 80% من حوادث الاصطدام تشمل سائقين فقدوا انتباههم في الثواني الثلاث الأخيرة التي تسبق الحادث، حسب دراسة حديثة أجريت في معهد فيرجينيا لتكنولوجيا النقل، وأن طلب الاتصال الهاتفي الذي يستغرق نحو خمس ثوانٍ هو الوقت نفسه الذي تقطع فيه المركبة نحو 130 مترا إن كانت تسير بسرعة 95 كيلومترا في الساعة، ولذا فإن الذين تعرضوا لحوادث مرورية أثناء قيادتهم المركبة، لا يتذكرون ما الذي حدث فعلا أو كيف وقع الحادث، لأنهم كانوا مشغولين بالهاتف ولم يتفادوا أو ينتبهوا كيف وقع الحادث.
وفي دارسة أخرى شملت 12 طالبا جامعيا خضعوا لاختبارين في محاكاة قيادة السيارات، واحد بعد شرب الكحول، وآخر في أثناء استخدام سماعات الرأس والميكرفون لمحاكاة نظام الهاتف دون استخدام اليد. لم تشمل الدراسة أشخاصا اعتادوا تناول الكحول أو أشخاصا لم يسبق لهم تناوله مطلقا.
كان على المشاركين الذين امتلكوا جميعهم رخص قيادة، أن يحافظوا على مواقع عرباتهم في منتصف المسار الأيسر وبسرعة تراوح بين 64 و80 كلم في الساعة، وأن يستخدموا المكابح كلما ظهرت شاحنة.
فوجد الباحثون أنه عند القيام بمحادثة هاتفية تتطلب كثيرا من الاهتمام، أو عند استخدام الرسائل النصية، كانت مستويات الشرود عند المشاركين مماثلة لتأثيرات وجود تركيز للكحول في الدم يتجاوز الحد المسموح.
قال «سومي ليونج شوك مان»، مساعد معد الدراسة والباحث لدى جامعة برشلونة: «عندما كانت المحادثة عن طريق استخدام سماعات الرأس بسيطة، كانت التأثيرات مشابهة لمستوى 0.04 من الكحول في الدم».
حتى الآن لا نرى أن رجال المرور يعملون بشكل جدّي للحد من ظاهرة استخدام الجوال أثناء القيادة مثلما فعلوها مع السرعة وقطع الإشارة، وإذا كان السبب هو تقنية نظام ساهر التي دعمتهم في رصد مخالفات السرعة وقطع الإشارة، فهناك تقنيات أخرى طبقتها دول مثل الصين تدعمهم في رصد مخالفات استخدام الجوال أثناء القيادة، وكل ما يجب عليهم هو الجدية فقط، والتقنيات تعمل لصالحهم، والشركات ورجال الأعمال مستعدون للمساندة في جلب هذه التقنيات وتطبيقها فورا، لنُحدّ من مخاطر استخدام الجوال أثناء القيادة، والتي كلفتنا كثيرا من الخسائر في الأرواح والأموال.