المعلم هو عماد مستقبل الأمم، وكلما كان المعلم عظيما كانت الأمة عظيمة، ولذلك يقع على المعلم ووزارة التعليم المسؤولية الكبرى في اكتشاف مواهب طلابها

«تدرس ما تدرس وظائف ما فيه»، هكذا قالها أحد المعلمين لطلابه الصغار، عبر المؤسسة التربوية والتعليمية
التي من المفترض هي من تحمي أمنيات أطفالنا، وتمهد لهم الطرق لكي يبلغوها، ولكن للأسف ما زالت وزارة التعليم توظف بعض المعلمين غير الأكفاء، والذين معيار توظيفهم الوحيد هو الشهادة الجامعية، دون أي معايير للبحث عن مؤهلات ومواصفات الرجل التربوي الذي نثق أن نترك أبناءنا له في صف مغلق، قد يكون تأثيره عليهم أقوى من أي تأثير آخر، خاصة أن الطلاب الصغار يستمعون لتوجيهات معلميهم ونصائحهم بقدسية ولا ينسون كلماتهم أبدا.
كثيرا ما نسأل الأطفال ماذا تتمنى أن تصبح عندما تكبر؟ وحينها نسمع أجمل الأمنيات، بعضهم تكون أجابته محددة، وبالتالي أمنيته أو حلمه الوظيفي محدد، مثل أن يقول أريد أن أكون مهندسا معماريا، وهذه إجابة أحد الأطفال من عائلتي ويكررها دائما، بل يطالب أباه بأن يشتري له خوذة المهندسين، ولا أحد من العائلة حتى والده ووالدته يعرفون سر تعلقه بهذه المهنة، وشغفه بها، ومثل الطفل رامي الذي انتشر مقطع فيديو له وهو يقف بثقة في كبينة قيادة الطائرة، ويتحدث مبهرا كل من شاهد الفيديو بخبراته عن الطيران، وكأنه كابتن طيار عريق، وهذه الفئة من الأطفال الذين حددوا أمنياتهم بدقة يسهل توجيههم نحو الخطط الدراسية التي يجب عليهم أن ينتهجوها، وتنمية قدراتهم بالألعاب التعليمية في المجال الذي يحبونه، ولا تجد المؤسسة التربوية التي ينتمي إليها في حالة كانت مهتمة باكتشاف مواهب طلابها ورغباتهم المستقبلية أي صعوبة في مد يد العون لهذه الفئة، بعكس التحديات والصعوبات التي تواجهها مع فئة الذين تكون إجاباتهم عن أمنياتهم المستقبلية غير محددة، مثل أن يقول أريد أن أكون ثريا، أو مشهورا، دون أن يحدد الصفة التي يحب أن يشتهر بها، أو يصبح ثريا منها، وهذا النوع من الأطفال يصعب توجيهه نحو المهنة المناسبة له دون وجود مختصين يستطيعون اكتشاف مواهبهم وتنميتها، أو ستكون النتيجة بأن نراهم يواجهون تحديات الحياة دون خطط واضحة، ودون خريطة طريق يسلكونها، ولذلك يجب على وزارة التعليم أن تهتم بجانب اكتشاف مواهب الطلاب الصغار ووضع البرامج التي تعزز نقاط القوة لديهم.
مدارسنا مليئة بالمواهب الخفية التي كلما اكتشفناها مبكرا كان من صالح مستقبل أطفالنا، وأعتقد أن الكوادر التعليمية الحالية، خاصة في المرحلة الابتدائية لا توجد لديهم مهارات اكتشاف مواهب طلابهم، وفي ذلك لا ملامة عليهم، فخطط الوزارة الاستراتيجية لا تولي اهتماما كافيا لبرامج اكتشاف المواهب في المدارس، ولذلك نجد مواهب أبنائنا العلمية والأدبية والاجتماعية والرياضية لا نكتشفها إلا خارج أسوار المدرسة، وكمثال واضح وبسيط وشاهد للعيان كل مواهب كرة القدم السعودية لم يتم اكتشافها داخل أسوار المدرسة، بل اكتشفتها الأندية الرياضية من ملاعب الحواري الترابية التي لجأ إليها موهوبو كرة القدم لعدم توفر البيئة المناسبة في مدارسهم.
المعلم هو عماد مستقبل الأمم، وكلما كان المعلم عظيما كانت الأمة عظيمة، ولذلك يقع على المعلم ووزارة التعليم المسؤولية الكبرى في اكتشاف مواهب طلابها، وهم من يهيئ المناخ المناسب لتنمية المواهب أو تجاهلها، وهم من يستثيرون فكر الطلاب أو يخمدونه، كما رأينا وسمعنا ذلك المعلم الذي يصور طلابه ويخاطبهم بأنه لا مستقبل وظيفيا لهم، نتمنى أن نرى هذه الصورة تمحى للأبد، ونجد بدلا عنها معلمين أكفاء لديهم مهارات اكتشاف مواهب طلابهم وتنميتها وصقلها، وهذا لن يتم ما لم تقم وزارة التعليم بمعرفة أهمية برنامج اكتشاف مواهب طلابها ووضعها ضمن استراتيجياتها وخططها.