لن نبالغ لو قلنا إن كل ذرة رمل في الوطن الغالي شاركتنا البهجة وتغنت معنا بجمال الوطن وروعته، كانت ثورة حب وولاء وتلاحم لا مثيل لها، هي فرحة القرن التي لم نعشها في أي مناسبة سابقة، احتفلنا أعواما مضت باليوم الوطني غير أنه في هذا العام سجل فارقا كبيرا، ليس في مقاييس الفرح وإنما في نوعية وشكل الاحتفالات، والتي عمت جميع المدن وتفاعل معها المواطنون أفرادا وأسرا، كان التنظيم رائعا، والمحتفلون أيضا تفاعلوا مع الحدث بوعي ورقي، وهكذا الإنسان عندما يمنح الحرية للتعبير عن مشاعره لتأتي متزنة بعيدة عن ردات الفعل التي تحدثها استفزازات البعض ممن يرون في فرحته منكرا وفي سروره محظورا، يوم الوطن 87 سيخلد ولا شك لأن فيه استطاعت المرأة السعودية مشاركة بقية أسرتها الاحتفاء دون وجل، فتواجدت حيث كان الحدث بوقارها وحشمتها وغادرت في النهاية دون أن يحدث تواجدها تلك الكارثة التي صورها البعض وروج لها أعواما عديدة، لقد خسر الرهان من كان يرى في مشاركتها تدهورا وضياعا «على حد زعمهم» للقيم، بل برهنت المرأة والرجل والشاب والطفل السعودي أنهم تجاوزوا تلك الأفكار الرجعية، وحضر فكرهم المتطور الذي تخلى عن الوصاية والتخويف وتصالح مع الحياة عوضا عن تلك القطيعة المحفوفة بالأهوال من مغبة الانسياق وراء مباهج الدنيا الغادرة، مع أن كل ما أقيم من أنشطة وفعاليات كان لاستشعار بهجة ذكرى يوم الوطن وليس أكثر، وهذه الذكرى ولا شك ستظل شغف المواطن السعودي وانتظاره، لأنها الوحيدة التي تخرجه من رتابة عام كامل لا جديد فيه، غير أن الأمل في التغيير أصبح حاضرا بعد هذا الزخم النوعي من الفعاليات، والتي كان لهيئة الترفيه الجهد الأكبر في إقامتها، الأمل أن المستقبل سيحمل المفاجآت، وأن الأنشطة ستستمر وبشمولية أكبر تراعي أذواق واحتياج جميع الشرائح، قد تظهر عوائق لعملها، وهذا طبيعي جدا لكن مقاومة التغيير ستضعف مع الأيام، وهكذا طبيعة المجتمعات قد تركن للهدوء وتهول من مخاطر الجديد، والمقاومة تتلاشى بفعل الحركة السريعة للحضارة المتطورة التي تجتاح العالم دون استئذان، لكن يبقى على المجتمعات أخذ ما يناسبها وتحسين ما تراه سيئا، وما نراه في واقعنا اليوم أننا فعلا نحسن التعامل مع الجديد دون الانقياد له ليصنع بنا ما يشاء، والمراقب لحركة المجتمع السعودي خلال الفترة الوجيزة الماضية يرى أن نسبة الوعي لدى أفراده قد تطورت، وأنه كان بحجم الثقة في أن يمارس حياته دون انتظار مراقب يوجهه إلى الطرق التي يجب أن يسلكها، ويكفيك أن تخرج إلى سوق أو حديقة عامة لتلاحظ الفرق بين زمن المطاردة والمراقبة، وانسياب حركة الناس في طمأنينة وهدوء.