خلال الأعوام الماضية، قامت إسرائيل بالتقرب إلى الشعب والجمهور والإعلام الصيني، عبر مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، وباللغة الصينية المختلفة جذريا عن مواقع التواصل الاجتماعي في بقية دول العالم.
ففي الصين -كما هو معلوم- يتم حظر استخدام كل وسائل التواصل الاجتماعي العالمية، مثل «فيسبوك» و»تويتر» و»إنستجرام» و»سناب شات» و»جوجل» و»يوتيوب»، وغيرها.
ولكن في المقابل، توجد برامج صينية بديلة لأي برنامج عالمي، ونطاقها داخل الصين، وموجهة في المرتبة الأولى إلى الشعب الصيني.
لم تكن اللغة والثقافة الصينية حاجزَيْن أمام دولة إسرائيل التي قامت بتدشين حسابات إسرائيلية ناطقة باللغة الصينية في كل مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، خصوصا برنامج «weibo» الصيني الذي يعدّ أهم البرامج، وهو البرنامج البديل لـ»توتير»، بل يسميه بعضهم «تويتر الصيني».
قامت إسرئيل خلال هذه الحسابات التي يتابعها عدد كبير من الشعب والإعلام الصيني، بتزوير حقائق قضية فلسطين، وقد كتبتُ مقالا سابقا بعنوان «لماذا تفوقت إسرائيل على العرب في الصين»، شرحت فيه كيف استطاعت إسرائيل أن تكسر حاجز الاختلاف اللغوي والثقافي الصيني، وتنجح في إيهام الشعب الصيني بأن القدس هي حق لليهود وحدهم، وزوّرت التاريخ، وأصبح لها كثير من التأثير، وسط غياب تام للدول العربية عن مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، وبقيت إسرائيل وحدها في الملعب الصيني دون منافس، وحققت كثيرا من التقدم والنجاحات في طريقها إلى التأثير على الشعب والإعلام الصيني.
بعد إسرائيل، كانت قطر هي أول دولة عربية تخاطب الشعب الصيني عبر مواقع تواصلهم الاجتماعية، تابعتُ باهتمام خلال الأيام الماضية حساب قناة الجزيرة القطرية في موقع «weibo» الصيني، ولم أَجِد في الحقيقة أن هناك أي فارق بين حسابي سفارة إسرائيل في بكين، وقناة الجزيرة القطرية على الموقع الصيني، سوى أن الأولى تزور حقائق القدس أولى القبلتين، والثانية تقوم بتضليل الرأي العام الصيني عن حقيقة جهود السعودية في خدمة الحجاج، وتصور للشعب الصيني أن المملكة تسعى إلى تسييس شعيرة الحج، وأنها منعت الشعب القطري من الحج بسبب وجود خلافات سياسية بين الحكومتين السعودية والقطرية، وتنشر كل ما من شأنه أن يشوه خدمة السعودية لحجاج وزوار بيت الله الحرام والحرم النبوي الشريف، وبدلا من أن تقوم قناة الجزيرة باستغلال وجودها الإعلامي داخل نطاق الشعب الصيني للرد على كذب الإعلام الإسرائيلي داخل الصين، وتوضح حقيقة القضية الفلسطينية، نجدها تقف في صف الإعلام الإسرائيلي، وتقاسمها المهام.
الإعلام القطري يشوه حقيقة خدمة المملكة لحجاج بيت الله، والإعلام الإسرائيلي يزور حقيقة القدس والقضية الفلسطينية.
وجود القناة القطرية الجزيرة في مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، كاسرةً حاجز اللغة والثقافة، من المفترض أنه يكون رافدا للقضايا العربية، ويعزز حقيقة القضية الفلسطينية، ويعكس جهود المملكة العربية السعودية في خدمة حجاج بيت الله الحرام، من منطلق أن قطر أحد أعضاء مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية.
ولكن للأسف، ما يحدث هو عكس ذلك تماما، بل تسعى الجزيرة الصينية إلى عكس سياسة حكومة قطر في نشر الفساد ودعم الثورات، وخلق الإثارة الإعلامية وتزوير الحقائق. والمصيبة أن غالب متابعيها هم من رجال السياسة والإعلام الصينيين، والذين يتابعون مواقع هذه القناة، دون أن تكون هناك حسابات لقنوات إخبارية سعودية أو عربية أخرى توضح الحقائق، وعلى الأقل نكون الطرف الثاني، ونضع حقيقة خدمة المملكة حكومة وشعبا للحرمين الشريفين، ونترك الأمر أمام الشعب والإعلام الصيني ليختار الرأي الذي يناسبه، أو الذي يقنعه، ولكن أن تكون قناة الجزيرة القطرية وحيدة في هذا المضمار، تسير على خطى إسرائيل في تمييع القضايا وتزييفها، فهذا أمر خطير على المدى القصير والطويل، ويجب علينا -كإعلام سعودي بالذات، خصوصا القنوات الإخبارية والعربية- أن نؤمن بأهمية وجودنا داخل مضمار قنوات التواصل الاجتماعي الصينية، ونخاطبهم عبر لغتهم وثقافتهم، حتى لا يأتي يوم ونرى أن كل جهود توثيق العلاقات الاقتصادية والسياسة التي تقوم بها الحكومة السعودية مع الصين، لا دور لها في ظل خطورة وأهمية تأثير الإعلام الذي يعد الأساس لإنجاح العلاقات بين أي بلدين.
ويجب علينا أن نُوجَد في الإعلام الصيني وبرامجه الخاصة، لنظهر حقيقة خدمة المملكة لحجاج بيت الله الحرام، وألا ندع المجال لمن يحاول تشويه هذه الحقيقة، كما تقول الحكمة الصينية «استمع إلى الطرفين تبدو لك الحقيقة، أما الاستماع إلى طرف واحد فستبقى الحقيقة مخفية».