القصة لغة السارد الواضحة والمختصرة، وهذا الجنس الأدبي القريب من النفس، وأولى خطوات تدريب السارد، ومرحلة تأثيث مكونات الكاتب، وتأسيس لغته الإبداعية. لدينا اعتقاد سائد أنها -أي القصة- تأتي على هامش الأجناس الأدبية، أو على الأقل تأتي في آخر الاهتمام من لدن القراء والباحثين والدارسين والمهتمين بخدمة الأدب، بينما العكس تماما هي توازي الرواية اهتماما وحضورا في العناية والاهتمام والرعاية.
ولو تتبعنا سير الاهتمام بالأدب لوجدنا أن هناك اهتماما فعليا بالقصة على مستوى الوطن العربي من خلال إنشاء المنتديات والشبكات، ومؤخرا المجموعات على برامج الواتس أب، وعلى سبيل المثال لا الحصر: أنشأ الأديب/ جبير المليحان (شبكة القصة العربية) منذ عام 2000، ولقيت نجاحا باهرا وإقبالا ومشاركة من جميع القاصين في الوطن العربي ومن جميع الأجيال الكاتبة للقصة، سواء القاصين الكبار أو الشباب، ولا زالت حتى اليوم في انتشار وتوسع مستمر. وتمت إضافة منتدى القصة لشبكتها العربية عام 2003، ثم أضيفت إليهما (صحيفة القصة العربية) عام 2008 والتي توقفت، بينما الموقع والمنتدى يعملان. كما أنشئت عدة مواقع سورية وعراقية ومغربية وأردنية، لكن تبقى شبكة القصة العربية هي الأشهر والأطول عمرا والأبقى استمرارا بين نظيراتها الأخرى.
ظهر أيضا عام 2015 (ملتقى القصة القصيرة) عن طريق برنامج الواتس أب لمؤسسه القاص/ هاني الحجي، ويضم تسعين عضوا من مختلف الدول العربية ومن جميع مناطق المملكة العربية السعودية، بمن فيهم رواد القصة. شرع الملتقى في التعاون مع (وحدة السرديات) في جامعة الملك سعود والمنتديات والمؤسسات المهتمة بالسرد في الوطن العربي. ذلك أنه تم الاتفاق بين الملتقى وعدد من المهرجانات العربية للمشاركة والتعاون فيما بينهم. وحول الأبحاث والدراسات اهتم الأستاذ / خالد اليوسف بالبحث في القصة القصيرة والساردين، فعمل على بحث بعنوان: أنطولوجيا القصة القصيرة جدا في المملكة العربية السعودية. ومؤخرا صدرت له (القصة القصيرة جدا - دراسة نقدية)، بالإضافة إلى ستة إصدارات أخرى تعنى جميعا بالقصة. وهذه الاهتمامات المتنوعة والقوية دليل على أهمية القصة القصيرة والقصة والقصيرة جدا.. وأومن إيمانا كبيرا أن الروائي لن يكون روائيا قويا يخرج أعمالا مدهشة إن لم يمر، ويروح ويغدو، مع الأعمال القصصية، ويعيش مع أشخاصها فترة كافية قبل الذهاب لعالم الرواية وتعرجاتها الكبيرة. أنا شخصيا لا أجرؤ على إخراج عملي الروائي قبل أن يقرأني الناس كقاصة بما فيه الكفاية، وملء نفسي شعورا بالرضا عن تجربتي القصصية.. أجد أن القصة هي الضوء الأخضر للانطلاق إلى عالم الإبداع.