بعد النظر في المسببات التي صنعت مدرسة المهجر، وخلقت العالم والحياة التي أوجدها شعراؤها، بعد أن اختاروا الهجرة والغربة عن أوطانهم، وبنوا كيانا آخر على ضفة أخرى في العالم، من أبرز تلك المسببات التي دعتهم إلى تغيير نمط حياتهم الذي غير أيضا حركتهم الشعرية والأدبية إلى نهج خاص، وخط مميز ما كان ليحيا لولا تلك الهجرة للبحث عن الرزق، والهرب من ويلات الاستعمار والحروب، واللوذ بأمكنة أكثر هدوءا وأمنا.. كل هذه المسببات التي صنعت هذه المدرسة تجعلنا نتنبأ بشعراء مهجر جدد تخلفهم ما تسمى ثورات الربيع العربي وما تبعها من أحداث في اليمن والشام والعراق وليبيا، وإن قلنا إن أحداث الربيع العربي أشد وطأة وسحقا، تحديدا في الشام والعراق، فمن الوارد أن يكون المهاجرون أضعافا مضاعفة عن سابقيهم، وإن اختلفت مواطن الهجرة أو كثرت، مما يصعب إحصاء عدد الشعراء في كل بلد. وستكشف ذلك السنوات المقبلة للباحثين والدارسين والمهتمين بأمر المهجرين.. أيضا لا أعتقد أنهم سينقسمون إلى قسمين فقط: مثل أدباء المهجر الشمالي الذين أطلق عليهم الرابطة القلمية برئاسة جبران خليل جبران، وأدباء المهجر الجنوبي وأطلق عليها العصبة الأندلسية وأبرزهم فوزي معلوف.. الشعراء الذين يتنبأ بهجرتهم على الأرجح سيكونون عدة روابط، وفي الجهات الأربع، نظرا لاتساع الدمار الذي خلفته ثورات ربيعهم العربي وامتدادها من القارة الإفريقية إلى الآسيوية.. في الوقت الذي نلعن فيه ما تخلفه الثورات من دمار وانحدار على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، هناك من يصنع منه حياة وثورة أدبية تؤرخ هذه الحقبة الزمنية وما مرت عليه من تناقضات وتغيرات.. حب بالكلمة والحرف والقلم يحتم على صاحبها الهرب بها والتحليق معها لبعثها من أرض أخرى، وإن كانت غير مهبط الأفئدة وقبلة الحياة أرضه، إلا أن الحفاظ عليها وإخراجها بصورة أخرى يعطيها قوة واستمرارية قد تفوق ما كانت عليه قبل الهجرة، تماما كما اشتهر شعراء المهجر السابقون، وأسسوا لمدرسة شعرية لها خطها وتأثيرها الواضح على الشعر والشعراء والباحثين حتى اليوم... أتمنى أن يعنى الباحثون بهذه الفترة، ويتتبعوها بدقة، لرصد تغيرات القصيدة العربية، وملاحظة ما كانت عليه قبل ثورات الربيع العربي، وما آلت إليه بعدها. فهناك حشد من المشاعر تسكن بين الدفاتر سترى النور عندما تهدأ الأمور وتنتهي الزوبعة.