على ضفاف وادينا الممتلئ برائحة الريحان والحبق والسكب والبعيثران، تتناثر أصوات أمهاتنا غناء و(نشيدا).. يستعن بأصواتهن الغارقة بين منغصات الحياة ومبهجاتها، التائهة في مفترقات العمر الراكض في المضي غدوا ورواحا بين هنا وهناك.. عند إنجاز أعمالهن الحياتية يكسرن حدة الشقاء بقول المغني، ويقصرن المسافة بين اندلاق قرص الشمس على أديم الأرض وغيابه خلف رؤوس الجبال.. يقصرنها بفرحة ما يأتي مع بدء تناسل خيوط الظلام على أطراف القرى.. إذ يجتمع كل أبناء القرية حول أعذبهم صوتا، وأكثرهم اتصالا بمعاني الشعر والغناء، يرددون خلفه أهازيج تحيل صمت المكان إلى حقل امتلأ بصخب الألوان والفراشات المحلقة، ولدت وأنا أجد هذا في هذه الجبال، وجدت الجميع يغنون ويرقصون عندما يتسلل الفرح إلى قلوبهم.. يعبرون عن هذا بالرقص والغناء.. تتابعت السنوات وكان هذا نهج من يحبون الحياة.. يتأهب أهل أبها كل ليلة من ليالي الصيف مثلا لحضور السمر والغناء والفرح.. إن لم يكن هناك عرس في إحدى قراهم لأحد منهم التف الجميع يترقبون صادحا يقول: (شفت أبها لابسة حلة والحزام زاهي جميل)..أو آخر يقول: (أنورت سودة عسير بطلتك.. وازهرت من وطيتك خدانها)، حيث كان ومازال مسرح المفتاحة تحديدا وتلك الحياة بشكلها العام، رافدا أساسيا في جذب السياح وإنعاش (أبها) اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وانتشال فئة كبيرة من أبناء المنطقة من تبعات الفراغ الذي يجدونه الآن.
وفي هذا الأسبوع نفرح بالنشاط النوعي لجائزة المفتاحة الذي يعتبر تطورا مهما، يجعلنا نتفاءل بأن مسرح المفتاحة والنشاط الثقافي بشكل عام سيستعيدان الكثير من وهجهما، خصوصا أنه سيحضرهما نخبة من الأسماء الثقافية على مستوى الوطن.
لكن مع ذلك لا بد من الاعتراف بأن النشاطات الفنية غابت مثل نشاط جمعية الثقافة والفنون، وحضرت بديلا عنها الشيلات والبرامج التي تعنى بالأطفال تحديدا.
أبها تمثل وجهة سياحية مهمة في الوطن، والاهتمام بكل تفاصيل هذه الوجهة يجعلها هي الأولى والأكمل والأجدر.. فالمسرح من احتياجات أهل أبها الأساسية ويجب أن يعاد النظر في دوره أكثر.. الغناء رفيقهم منذ خطواتهم الأولى.