تجار الخليج وأثرياؤه يكتفون بخزعبلات التبرعات الوهمية لجمعيات لا أساس لها من الصحة، وأرقام تبرعات تقدر بمليارات الدولارات تنشرها بعض الصحف، تخفي واقع التخلي الكبير لكثير من التجار والأثرياء عن الإسهام في تنمية الوطن

عام 2010 تبرع وويرن بفيت صاحب مجموعة بيركشير الصناعية وثاني أغني رجل في العالم آنذاك بـ99 % من ثروته البالغة 47 مليار دولار، وقاد هو وبيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت أضخم حملة تبرعات في تاريخ البشرية، شملت الحملة 40 مليارديرا تعهدوا جميعا بالتبرع بنصف ثرواتهم لجمعيات خيرية، وضمت مجموعة الأثرياء التي وافقت على هذا التعهد تيد ترنر مؤسس شبكة سي إن إن الإخبارية، وعمدة نيويورك مايكل بلومبرج، وجوردن موور صاحب شركة إنتل، وألي بروود صاحب شركة صن أميركا.
وقبلها بخمس سنوات كان تقرير أعده معهد هدسون للازدهار العالمي عندما بدأت ظاهرة التبرعات الضخمة تنتشر بين الأثرياء الأميركيين، أشار إلى أن تبرعات القطاع الخاص الأميركي للقضايا الدولية بلغت عام 2004 ما يعادل 4 أضعاف المبلغ الذي أنفقته حكومة الولايات المتحدة على المساعدات الرسمية للتنمية.
وارتفع إجمالي التبرعات من رجال الأعمال والمشاهير الأميركيين بنسبة 27.5 % إلى 9.8 مليارات دولار عام 2014، مقارنة بعام 2013. 
وتبَّرَعَ جيتس وزوجته ميليندا بجزء قيمته 1.5 مليار دولار في حصتهما في شركة مايكروسوفت للبرمجيات لمؤسسة بيل أند ميليندا جيتس الخيرية. 
وأخيرا أعلن مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرج وزوجته عزمهما التخلي عن 99 % من ثروتهما، وتبلغ نحو 45 مليار دولار لفائدة مؤسسة خيرية.
    هذه المبالغ لم يتبرع بها هؤلاء لفقراء أو محتاجين في بلادهم، بل لفقراء ومحتاجين في جميع بلاد العالم، أما عن دعم هؤلاء وغيرهم من الأثرياء لمجتمعات بلادهم ومرافقها وجميع أنواع الخدمات فيها، وفي وقت يتكفل فيه الأثرياء ورجال الأعمال حول العالم بشطر غير يسير من المرافق التنموية والجهود الإنسانية والإغاثية والخدمية سواء داخل بلادهم أو خارجها، يتهرب فيه كثير من رجال الأعمال السعوديين من بلدهم في وقت الشدة، ويستثمر آخرون الموقف للمتاجرة متهمين المواطن بالتدليل، والدلع بدلا من أن يقفوا إلى جانبه، ويخففوا عنه العبء، ويساندوا جهود الدولة.
لَكَم كان مؤلما انتقاد الكاتب والمحلل السياسي البريطاني ديفيد هرست قبل أيام، موجها تساؤلا للأثرياء السعوديين، عبر مقال في صحيفة الجارديان البريطانية، عن دورهم في وقت الأزمات التي تمر بها الدولة، على الرغم من أن المملكة بها أكثر من 113 ألف ثري يملكون ما يتجاوز مجموعه أربعة تريليونات دولار.
قال هرست، إن المشهد يتكرر مع كل أزمة بالهروب من المواجهة وتحويل الأرصدة خارج البلاد، والانسحاب من البورصة، مع التقليل من قيمة أبناء البلد، رغم أن الحكومة السعودية تساهلت كثيرا مع رجال الأعمال هؤلاء، من عدم فرض ضرائب كبيرة، وتوفير الحماية والأمن لهم ولاستثماراتهم.
وضرب مثلا برجال أعمال وتجار دول عدة أخرى، وكيف يكونون أحد أسباب نهضة البلاد، وعلى العكس فأثرياء الخليج يعرفون الهرب وقت الأزمات، ووقت الحاجة لا تجدهم، حسبما جاء في المقال.
أتصور أن المكان الطبيعي لهؤلاء، هو إحدى الدول التي تسن أنظمة وقوانين عليهم، وتقتطع من عوائد أموال استثماراتهم ما تشاء من ضرائب ورسوم، وتجيد التعامل معهم بقوة وتجبرهم على الإسهام الحقيقي والملموس في المجتمع، كما ذكر هرست، أما تجار الخليج وأثرياؤه فيكتفون بخزعبلات التبرعات الوهمية التي تبذل لما يسمى بالجمعيات الخيرية، ويحصدون على إثرها الثروات، بعيدا عن أعين الجهات الرسمية والمواطنين. جمعيات لا أساس لها من الصحة، وأرقام تبرعات تقدر بمليارات الدولارات تنشرها بعض الصحف، تخفي واقع التخلي الكبير لكثير من التجار والأثرياء عن الإسهام في تنمية الوطن.
إن المنطق والإنصاف يقولان، إن عبارة كفاية دلع التي استفزت المجتمع السعودي قبل أسابيع، عبارة صحيحة ومهمة في هذه الفترة الحرجة من عمر الوطن، لكنها وجهت إلى الفئة الخطأ، نعم، لقد كان صاحب الأحقية في قول هذه العبارة المواطن السعودي الذي يتكاتف مع جهود وطنه، ويدفع من راتبه الشهري حصته في الضائقة التي تمر بها بلاده، مؤمنا بأن هذا حق وطنه عليه، في وقت يذهب فيه بعضهم للمتاجرة بظرفه الإنساني، والمزايدة على وطنيته. نعم كفاية دلع يا هؤلاء، واشعروا مرة بأن عليكم واجبا تجاه هذا البلد الذي سمنتم من خيراته، وقاسمتم مواطنيه البسطاء دعم الحكومة الذي تقدمه لهم، بل إن كثيرا منكم كانوا سببا مباشرا في كثير من المعاناة التي يعانيها، وأزمة الإسكان الخانقة التي يعيشها المواطن من جراء احتكار بعضكم الأراضي تشهد عليكم، والارتفاع الجنوني للأسعار الذي يمارس على المواطن يشهد عليكم.
يا هؤلاء، ألا يكفيكم أنكم أثريتم من جيب المواطن، والآن تتخلون عنه وعن وطنكم في ضائقته، فلم نسمع عن مبادرة من هنا أو هناك لأي مشروع وطني حقيقي تبنته جماعة رجال أعمال هنا أو هناك، لدعم بلدهم وإسناد جهودها، أو على الأقل التخفيف من بعض أعبائها بالتنازل عن هامش من حصة أرباحهم لدعم أي قطاع خدمي.
أتصور أنه بالفعل، آن لحكومتنا الرشيدة أن تقيّم موقف هؤلاء الذين يتخلون عن بلادهم وقت الحاجة، وتعاملهم بالمثل، نعم بالفعل: كفاية دلع.