تخيلوا ردة الفعل التي سيصاب بها من يطلع من الخارج على تلك الكتب الهزيلة التي تعلن في معارض الكتاب، في الوقت الذي نقول فيه إن المعرض منبر وفكر وثقافة، وكيف سيحكم على مستوانا الثقافي من خلالها!
بإلقاء نظرة عابرة على جدول منصات التوقيع في معرض جدة للكتاب؛ سنتفاجأ بعناوين هزيلة، وأحيانا هزلية، توحي بأن الكتاب قد تحول من كونه أداة فكر إلى أن يكون ألعوبه أو وسيلة للتسلية.
وحينما نطلع على محتوى هذه الكتب سنفاجأ بما هو أسوأ من ذلك، ولا يعنيني هنا كيف تتوج مثل هذه الكتب بمنصات التوقيع أو حتى الجلب إلى المعرض، بقدر ما يعنيني سطحية التأليف الذي وصلنا إليه، فهناك نوعية من الكتب لم تكن معروفة في العقود السابقة، وإن عرفت فإنها تبقى منزوية ولا تتصدر المكتبات الفكرية والثقافية، ولعل التقنية الحديثة التي تجعل من الكتابة أكثر يسرا؛ هي من أسهم في نشر هذه الكتب المخجلة.
إن الكتاب هو الأساس الأول والأهم في معرفة حجم ونوع الفكر والثقافة في المجتمعات والبلدان، ويجب أن يبقى على هيبته، ولكم أن تتخيلوا ردة الفعل التي سيصاب بها من يطلع من الخارج على تلك الكتب الهزيلة التي تشهر وتعلن في معارض الكتاب، وفي الوقت الذي نقول فيه إن المعرض منبر وفكر وثقافة، وكيف سيحكم على مستوانا الفكري والثقافي من خلالها، بل وربما العقلي، فهذه الكتب لا يمكن أن تتصدر الواجهة!
لقد كنا في السابق نعاني من كثرة كتب الرواية والشعر، وكنا نقول إنه لا يمكن أن تكون بهذه الكثافة، لأنها تعكس صورة نمطية عن طبيعة الناس، خاصة إذا تصدرت الواجهة، والآن نقع في هذه الكتب التي لا تستحق أن توصف بأكثر من كونها خواطر.
فهي ليست معيارا للإقبال على الكتاب أو الثقافة، ولعل بيع هذه الكتب هو ما يفسر كثرة رواد المعارض مع ضعف المردود الثقافي عليهم، لأنهم يشترون مثل هذه الكتب.
ربما لمؤلفي هذه النوعيات من الكتب الحق في تأليفها، لكن ليس لهم الحق في تسميتها كتبا، وهم يتحدثون في السياق الثقافي أو الفكري، وأما إذا كانوا يقصدون أنها كتبا بالمعنى اللغوي ككتب الطبخ فلا بأس، وعلى وزارة الثقافة أن تراجع مسألة إعلانها في منصات التوقيع، وأن تحد منها في معارض الكتاب، فالعبرة ليست بالمساحة، ولا بعدد دور النشر، ولا بعدد العناوين، وإنما بالمضمون والمحتوى الجيد.
فلأن يقال معرض صغير فيه من الفائدة الكثير أهون من أن يقال معرض ضخم بفائدة ضعيفة، فلو كان لدينا ربع هذا المعرض من ناحية الحجم والعدد بمحتوى جيد، فهو أفضل من هذا العدد الكبير بلا فائدة، وأما دور النشر فهي جهات ربحية، ويتوقع منها ما هو أسوأ من نشر وطباعة هذه الكتب، ويزداد الأمر سوءا إذا علمنا أن كتب الفكر الحقيقي يضيق عليها في الفسح، وفي البيع، وفي منصات التوقيع، مما يوحي بأن العملية أشبه بصناعة جهل متعمدة.