دول الخليج تدخلت لصالح اليمن بناء على طلب من حكومته الشرعية وحفاظا عليه وعلى وحدته المهددة بالتصدع، وليس خوفا من أن تنتقل إلى الخليج عدوى الانفصالات والتمزق
في تصريح سابق له ذكر عبدالعزيز الجباري رئيس الهيئة الاستشارية لمؤتمر الرياض بخصوص اليمن: لم نأت إلى الرياض حتى نتجزأ، معتبرا أن ترك المجال مفتوحا أمام تلك الخيارات سيجر داخل الخليج للمطالبة بالانفصال: لو تركنا المجال لمثل هذه الأصوات ستجد من في دول الخليج يطالب بالانفصال وستكون سابقة.
ونحن في المملكة حكومة وشعبا نتمنى لليمن ولشعبه كل خير وندعو الله أن يخلّصه من هذه المحنة التي هو فيها وأن يكتب له ولشعبه كل أوجه الخير والنماء. وأود في البداية أن أؤكد بوضوح على أن المملكة وشقيقاتها دول الخليج حينما تدخلت في اليمن فإنما تدخلت لصالح اليمن بناء على طلب من حكومته الشرعية وحفاظا عليه وعلى وحدته المهددة بالتصدع والانفلات، وليس خوفا من أن تنتقل إلى الخليج عدوى الانفصالات والتمزق، وكأن اليمن هو صمام الأمان لبقاء دول الخليج موحدة. وهذا الكلام ليس جديدا على أسماعنا، فقد سمعناه مرات ومرات من الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ومن بعض رجالات دولته وحزبه، وكم تغنى به البعض صباح مساء، وكم تمنوه لنا، بل وتآمروا على وحدة المملكة، خاصة حينما أيدوا صدام في احتلاله الكويت وحينما حشدت حكومة علي صالح آنذاك 300 ألف على حدودنا الجنوبية انتظارا لساعة الصفر حتى ينقضوا فيها على المملكة، ويفوزوا بنصيبهم من الكعكة لولا أن الله -سبحانه وتعالى- رد كيدهم إلى نحورهم، وأحبط ما كانوا قد بيتوه للمملكة وباقي دول مجلس التعاون الخليجي منذ الوهلة الأولى التي تحالفوا فيها مع صدام حسين الذي تكشفت نواياه منذ فجر اليوم الأول لاحتلال الكويت، والحمد لله أن باءت تلك النوايا وباء معها ذلك التحالف بالفشل والخيبة، وقبل ذلك تآمر من تآمر على وحدة سلطنة عمان فأشعلوا ثورة في ظفار كادت تأكل الأخضر واليابس لولا أن تداركها عقلاء الظفاريين الذين وضعوا أيديهم في يَدَيْ سلطانهم العادل، وها هم الآن يتسنمون أعلى المناصب، وظفار تشهد نهضة حديثة غير مسبوقة.
أما لماذا بمجرد أن تحدث انفصالات في اليمن تنتقل العدوى إلى دول الخليج وتحدث فيها انفصالات مشابهة؛ ثم ما هي المبررات والأسباب المتوقعة لذلك؟ فهل أجرى الأستاذ عبدالعزيز الجباري دراسات وبحوثا معمقة أوصلته إلى هذه النتيجة؟ وعلى أي شيء بنى استنتاجه هذا؟ أم أنها من مخرجات العقل الباطن الذي يضمره وربما يتمناه هو وأمثاله من بعض إخوتنا اليمنيين لدول مجلس التعاون التي لم يروا منها إلا خيرا؟ ومهما كانت الأسباب والفرضيات بل وحتى الأمنيات فإن وحدة دول مجلس التعاون وحدة أبدية راسخة لا وحدة شعارات ومزايدات. فمثلا وحدة دولة الإمارات العربية المتحدة تعدّ من النماذج المثالية للدول الاتحادية في العالم، ولو أن العالم كله توحّد في دولة واحدة بنفس الأهداف والرؤى والنوايا الحسنة التي توحدت بها دول الإمارات العربية المتحدة، وبالقوانين نفسها التي تنظم العلاقة بين الدولة الاتحادية، والحكم المحلي الراشد، بجانب مراعاة التقاليد المحلية واحترام الخصوصية لكل دولة لما وقعت فيه انفصالات.
أما مملكة البحرين فهي دولة عربية خالصة اختار شعبها استقلالهم وحريتهم وعروبة بلدهم في استفتاء شعبي جرى في وضح النهار. ومهما نسمع عن الاختلافات المذهبية والمعارضة السياسية فإن أهل البحرين يتفقون جميعهم على مبدأ واحد لا يتزحزحون عنه، هو وحدة البحرين وعروبتها. وهم جميعا متساوون في الحقوق والواجبات وفي الفرص الوظيفية والخدمة الاجتماعية والحرية الشخصية المكفولة لكل مواطني البحرين على حد سواء.
أما المملكة العربية السعودية، فهي أبعد ما تكون عن الانفصالات لأن وحدة المملكة قامت على أساس صحوة دينية قادها زعيم عادل عروبي فذ، وحّد البلاد وأهلها بعد فرقة، وجمعهم بعد شتات، وهو لم يوحّد الأراضي وحسب وإنما وحّد قلوب الناس، وجعل منهم أمة واحدة وشعبا واحدا هو الشعب السعودي، لمن يعجبه ولمن لا يعجبه، ولأن المملكة وُحِّدت على مبدأ أساسه العدل وتكافؤ الفرص فإن جميع الملوك الذين تعاقبوا على عرش المملكة حرصوا على تطبيق هذا المبدأ، فكسبوا ثقة الناس واحترامهم وتقديرهم والسمع والطاعة لهم. وثق يا أخي عبدالعزيز أن شعب المملكة يؤمن إيمانا راسخا بوحدة مملكتهم وبشرعيتهم المتمثلة في آل سعود الذين لا يرتضون لهم بديلا.
أما قطر والكويت فلا أعرف كيف ستحدث فيهما انفصالات؟! وهما بمثابة مدينتين مثاليتين فاضلتين، تسكن في كل منهما أسرة واحدة، يتعارفون ويتزاورون فيما بينهم، وليس بينهم فوارق طبقية أو معيشية تذكر، فاطمئن يا أستاذ عبدالعزيز وثق تماما أن قطر والكويت لن يحصل فيهما أي انفصال ما دامت الحياة تدب على هذه الأرض.
فيا إخوتنا الغيورين علينا في اليمن دعونا في حالنا، فلسنا بحاجة إلى من يبصّرنا بشؤوننا الداخلية وأمننا الخارجي أو يفكّر بالنيابة عنا، وحتى ما نسمعه من تصريحات بعض مسؤوليكم ومحلليكم السياسيين من أن تدخل إيران في اليمن ليس المستهدف منه اليمن وإنما المستهدف هو السعودية وحسب. وظني أن إيران لو أرادت استهداف السعودية فقط (باستثناء الخُبَال الذي تَلبَسّها فيما يتعلق بتصدير الثورة) لجاءتنا عن طريق العراق، لاعتبارات كثيرة ليس أقلها خطوط إمدادات برية واسعة تصلها حتى بطهران العاصمة وحاضنة مذهبية واسعة على شاكلتهم في جنوب العراق، ووجود براري شاسعة في شمال المملكة قليلة السكان. أما أن تأتينا إيران ومن صفّ صفّها عن طريق الجنوب فهذا من رابع المستحيلات، وأنتم تعرفون حق المعرفة بأس أهل المناطق المجاورة لكم من الشمال على مدى تاريخهم وتاريخكم، ومن يتجرأ على الدخول إليها محاربا فليأت معه بكفنه؛ لأنها ستكون مقبرة له لا محالة.
والخلاصة أن تدخل المملكة وحلفاؤها من دول مجلس التعاون في اليمن ليس خوفا من انفصالات قد تقع في كياناتها أو غزو إيراني محتمل لأراضيها، وإنما التدخل حماية لشرعية اليمن وحفاظ على وحدته وسلامة أرضه وشعبه.